• ×

جلسة مع الشعراء



 0  0  790
زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الإسراف في الخيال..
أنهاكَ عن الانهماك مع الشعراء في أشعارهم؛ فإنهم أهل خيال ومجازفة ومبالغة، وهم بعيدون عن الحقيقة إلا من رحم الله؛ فإذا مدحوا أفرطوا وتجاوزوا الحد في الممدوح، وإذا هجوا أتوا بكل مقذع وفاحش، ثم هم مع الصور الجميلة هائمون في الوصال والعشق، يبكون من الهجر والصدود، ومع رقتهم في أشعارهم تجدهم قساة قلوب في الديانة، قلّ منهم من يبكي عند سماع القرآن؛ لأن الشعر حجب تلك القلوب عن تأثير القرآن، وهم من أقل الناس ذكراً لله؛ لانشغالهم بالمحفوظ من الشعر، وانغماسهم في روايته وتذكره والاستشهاد به، فاحذر اتباعهم في ذلك؛ فإنك ممنوع شرعاً؛ لأن العُمْر أغلى من أن يذهب مع خمريات امرئ القيس وتلاعب أبي نواس وشطحات المتنبي وكفريات المعري وصوفيات ابن الفارض.. ولا بأس أن تسمع شيئاً من الحكمة والزهد أحياناً، ويبقى وقتك للكتاب والسُّنة وما يزيد في عملك ومعرفتك وصلاحك (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ).
*
أسطورة الشعر
خرج هذا الشاعر كالبركان الثائر الهادر يقذف بالحمم، وأقبل كأنه السيل الجارف الزّاحف يقتلع الشجر، ينقل الحجر، يملأ المكان بصخبه وشكواه وتذمره وتمرده، يرسل قصائده عويلاً ونواحاً وثكلاً وحكمة، يمطر الأسماع كل يوم باحتجاجاته واعتراضاته ونقده وغضبه، يخطف الأضواء، ويرغم الجميع على الإنصات له وحده والنظر إليه بمفرده والاهتمام به ليس إلا. تغلي قصائده في قلبه، ويشعلها بلوعته، ثم يبعثها حائرة فائرة تكاد تشوي الوجوه بحرارتها وتوقدها. رضع اليتم، وأكل الجوع، ولبس الفقر، ورافق البؤس، وصحب الظلم، يزور الملوك مادحاً، ثم يغار منهم ويحسدهم فيقلب لهم ظهر المجن، ويجعل إيوان أحدهم عاليه سافله تمرداً وعناداً وشراسة وشغباً.. يمدح الوزراء ثم يتذكر أنه أعظم منهم فيندم على ما فعل، ويتوب مما صنع، ثم يمحو ذلك بمدح نفسه والثناء على ذاته وتقديس مجده والتنويه بفضله.. هذا شاعر عضته الأزمات ولسعته النكبات ومزقت فؤاده الكوارث، يسكت يسكت، ثم يزمجر ناقماً على زمانه وإخوانه.. يصمت يصمت، ثم ينفجر صائحاً نائحاً يشكو عصره ويلوم دهره.. يهدأ يهدأ، ثم يهب من غفوته متمرداً رافضاً محتجّاً.. إنه أبو الطيب المتنبي، فهل عرفته؟
*
الشاعر الأعمى
سرَّحتُ النظر في دواوين أبي العلاء المعري فإذا الرجل مريض القلب، منحرف عن الجادّة، ليس عنده دين يردعه، ولا حياء يردّه، يستهزئ ـ قاتله الله ـ بالرسل والرسالات، ويشكك في صدق الشريعة، ويسخر من الملّة، في بذاءة مكشوفة، وصفاقة وقحة؛ فعلى هواة الشعر أن يحذروا منه، ويحتاطوا لدينهم من رجسه؛ فقد تتبعته في شعره قصصاً حتى خبرت الرّجل، وعرفت غوره، فإذا هو ضال في معتقده، جاهل بربه، مغتر بنفسه.. أما ذكره للموت فكل يحسن هذا ويعرفه، حتى فرعون يعرف أنه سوف يموت، ولكن القضية ما بعد الموت والتهيُّؤ لتلك المواقف التي تجعل الوِلْدان شيباً. وإنما حذرتك من هذا الشاعر المتهوّك من باب النصيحة الشرعيّة والأمانة العلميّة؛ فاحجر على قلبك أن تلج إليه شبهة، وصن أبناءك أن تصلهم لوثة عقديّة، وحافظ على دينك أن يُسلب منك وأنت لا تشعر، ولا تُدخل بيتك إلا كتاباً ترضاه وتأمن عاقبته؛ فقد ناصحتك من الأغاني لأبي الفرج ومن شعر أبي نواس ومن هذا الضال أبي العلاء المعري ومن أمثالهم من صرعى الشهوات والشبهات (وَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ).
*
الأدب النقي
ليت الطلاب لا يدرسون نقائض الفرزدق وجرير؛ لأن فيها قاموس الشتم والسباب والقذف والفحش؛ والطالب بحاجة إلى سلامة ذوقه وطهارة ضميره من ساقط القول ومرذول الحديث. وأحسن من نقائض جرير والفرزدق قصائد الكرم والشجاعة والصبر والزهد والإحسان إلى الناس، وهذا متوافر في أشعار العرب المحفوظة. وما أدري ما هو مقصد من قرر على الطلاب هذه النقائض والهجاء المقذع؟ أليس هذا عدواناً على الأدب وثلماً للدين وخرماً للمروءة؟.. فأين العقل والدين؟!


التعليقات ( 0 )

Subscribe With Us

القوالب التكميلية للمقالات

جميع الأوقات بتوقيت جرينتش. الوقت الآن هو 06:52 صباحًا الخميس 25 أبريل 2024.