• ×

01:01 مساءً , الجمعة 29 مارس 2024

- آخر تحديث 06-18-2015

ضحايا الحب

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
الحب ماء الحياة، وغذاء الروح، وقوت النفس..تعكف الناقة على حوارها بالحب، ويرضع الطفل ثدي أمه بالحب، وتبني الحمرة عشها بالحب.. بالحب تشرق الوجوه، وتبتسم الشفاه، وتتألق العيون.. الحب قاض في محكمة الدنيا، يحكم للأحباب ولو جار، ويفصل في القضايا لمصلحة المحبين ولو ظلم.. بالحب وحده تقع جماجم المحاربين على الأرض كأنها الدنانير؛ لأنهم أحبوا مبدأهم، وتسيل نفوسهم على شفرات السيوف؛ لأنهم أحبوا رسالتهم. أحب الصحابة المنهج وصاحبه، والرسالة وحاملها، والوحي ومنزله؛ فتقطعوا على رؤوس الرماح طلباً للرضا في بدر وأُحد وحنين، وهجروا الطعام والشراب والشهوات في هواجر مكة والمدينة، وتجافوا عن المضاجع في ثلث الليل الغابر، وأنفقوا طلباً لمرضاة الحبيب.

بالحب صاح حرام بن ملحان مقتولاً: "فزتُ وربُّ الكعبة"! بالحب نادى عمير بن الحمام إلى الجنة مستعجلاً: "إنها لحياة طويلة إذ بقيت حتى آكل هذه التمرات"! بالحب صرخ عبد الله بن عمرو الأنصاري: "اللهم خذ من دمي هذا اليوم حتى ترضى"! لما أحب الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ صارت له النار برداً وسلاماً، ولما أحب الكليم موسى ـ عليه السلام ـ انفلق له البحر، ولما أحب خاتمهم حن له الجذع، وانشق له القمر.
المحب عذبه عذاب، واستشهاده شهد؛ لأنه محب.
*
أحبك لا تسأل لماذا لأنني *** أحبك هذا الحب رأيي ومذهبي
**************** *
بالحب يثور النائم من لحافه الدافئ وفراشه الوثير لصلاة الفجر، بالحب يتقدم المبارز إلى الموت مستثقلاً الحياة، بالحب تدمع العين، ويحزن القلب، ولا يقال إلا ما يرضي الرب. الحب كالكهرباء في التيار يلمس الأسلاك فإذا النور، ويصل الأجسام فإذا الدفء، ويباشر المادة فإذا الإشعاع.. الحب كالجاذبية، به يتحرك الفلك، وتتصاحب الكواكب، وتتآلف المجموعة الشمسية، فلا يقع بينهما خصام ولا قتال.. بالحب تتآخى الشموس في المجرة؛ فلا صدام هناك، ويوم ينتهي الحب يقع الهجر والقطيعة في العالم، وسوء الظن والريبة في الأنفس، والانقباض والعبوس في الوجوه، يوم ينتهي الحب لا يفهم الطالب كلام معلمه العربي المبين، ولا تذعن المرأة لزوجها ولو سألها شربة ماء، ولا يحنو الأب على ابنه ولو كان في شدق الأسد.. يوم ينتهي الحب تهجر النحلة الزهر، والعصفور الروض، والحمام الغدير.. يوم ينتهي الحب تقوم الحروب، ويشتعل القتال، وتُدمَّر القلاع، وتُدكُّ الحصون، وتذهب الأنفس والأموال.. ويوم ينتهي الحب تصبح الدنيا قاعاً صفصفاً، والوثائق صحفاً فارغة، والبراهين أساطير، والمثل ترهات! لا حياة إلا بالحب، ولا عيش إلا بالحب، لا بقاء إلا بالحب، إذا أحببت شممت عطر الزهر، ولمست لين الحرير، وذقت حلاوة العسل، ووجدت برد العافية، وحصلت أشرف العلوم، وعرفت أسرار الأشياء.

وإذا كرهت صارت كل كلمة عندك جارحة، وكل تصرف مشبوهاً، وكل حركة مشكوكاً فيها، وكل إحسان إساءة.. المحب هجره وصال، وغضبه رضا، وخطيئته إحسان، وخطؤه صواب.
*
ويقبح من سواك الفعل عندي *** وتفعله فيحسن منك ذاكا!
*
الحب حبان: حب أرضيّ طينيّ سُفليّ، إنما هو هيام وغرام. وحب علويّ سماويّ إلهيّ، وهو طاعة وعبادة وشهادة وسيادة.

فحب الأرض للعيون السود والخدود والقدود، ووادي الغضا، وأهل البان، وذكريات سلمى، وأيام ليلى.

وحب الإله تعلُّق بشرعه، وانقياد لأمره، وامتثال لدينه، وتقرُّب منه.
حب الطين آهات وزفرات وحسرات وندامات.

وحب رب العالمين علو ورفعة وكرامة وسلامة وسعادة وريادة.. كيف لا تحب الله وما من نعمة عليك إلا هو منعمها، ولا بلية إلا هو صرفها؟! هو المحسن وحده - جل في علاه - فقضاؤه عدل، وشرعه رحمة، وخلقه جميل، وصنعه حكيم، وفضله واسع، ووصفه حسن؛ فلا عيب في شيء من صفاته، بل الكمال كله فيها، ولا نقص في تدبيره، بل الحكمة أجمعها فيه، ولا خلل في صنعه، بل الحسن أوله وآخره فيه، فحبه واجب، والتقرب منه فريضة، وشكره حتم، وطاعته لازمة.

أما الحب سواه فمنافع متبادلة، وأهواء مشتركة، وأغراض مادية، يشوبه الخلل والزلل والإسراف وعدم الاستقرار، مع ما يعقبه من أسف وندامة وحسرة.

ولا أحد في الكون يسكن له العبد ويتوكل عليه إلا الواحد الأحد؛ لذلك سمى نفسه "الله"، قيل هو الذي تأله النفوس إليه، وتسكن إليه في علاه.
*
الحب للرحمن جل جـلاله *** وهو مستحق الحب والأشواق
فاصرفه للملك الجليل ولُذْ به *** من كل ما تخشاه من إرهاق

بواسطة :
 0  0  563

سحابة الكلمات الدلالية

التعليقات ( 0 )

جديد المقالات

بات من الواضح جداً أن الاتحاد السعودي لكرة القدم لا...

بواسطة : محمد الشيخ

تزكية الأمير عبدالله بن مساعد رئيساً للجنة الأولمبية...

بواسطة : محمد الشيخ

الذين قتلوا بدم بارد 1700 من الشباب العُزّل من أي سلاح،...

بواسطة : عدنان حسين

القوالب التكميلية للمقالات

Rss قاريء

Powered by Dimofinf cms Version 4.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Ltd.