تهبط كل الطائرات بي وتقلع منذ أن اختطفني أغسطس من نفسي، ودفع بي في معمعة التزامات شتى متداخلة ومتلاحقة ومع كل ذلك محببة، في الواقع كانت بوادر الانشغال تطل بملامحها منذ أن هل علينا هلال شوال وبشاراته! وكنت أجد الرغبة في نفسي تتنازعني في أن ألتزم بما عاهدت نفسي عليه، أن أكتب ولو مرة كل شهر في هذا المكان الوفي وأتفيأ تجارب الكلمة وتوثيق أيامي وأن أحكم حسن التوديع وقلب قلوب الصفحات، وكادت أن تفلت الأمور من زمامها في أغسطس الفائت لولا أن تداركتي رحمة ربي للعناية بهذا الالتزام. والآن ها أنذا في منتصف سبتمبر أو بعده بقليل، أيلول التخفف كما قلت لأكثر من واحد، سبتمبر الحواسم، أن أختار وأنتقي ما أريد وما أبتغي وياليتني أسلم. ولأنه عامهم من بدايته، أعني 2017م، بعد عام 2016م الذي كان للقراءة وللكتب، 2016م لها وحدها، السيدة قراءة، جاء دورهم. وكان التخطيط سريعاً متلاحقاً ولا بأس به. في ثلاثة أسابيع أو أربعة، امتطيت الطائرة عشر مرات، اختفى شعور ارتقاب الرحلات وصار من الروتيني أن أنطلق بسهولة إلى المطار وأختار الجلوس برهة قبل صعود الطائرة، أضحك قليلاً وأغرد وأستمتع بوقتي ثم ينقضي الوقت بسرعة.
وقبل أن تلملم إجازة الصيف أشتاتها الطويلة المسترسلة، حان موعد الرحلة الجميلة لتلك البلاد الجديدة، بعد انتقاء مختلف لوجهة ما تردد عليها كثيرون أعرفهم، واخترتها لفرادتها ولتسجيل ذكريات لا تمحوها تقادمات الأزمان، كانت ولله الحمد رحلة العشرة أيام إلى اليونان، بلاد الإغريق، غنية جداً بالكثير، واستحقت تماماً أن أقسم الحديث عنها على عدة تدوينات، فلم لا؟ لعل عابراً يستفيد، ولعل مهتماً بالتفاصيل يروي ظمأ شغفه، وهي مشاركة إنسانية وجدانية بالحرف والكلمة، وتمرين لعضلات المفردات والصور من العقل إلى الكيبورد. لقد كانت اليونان في مخيلتي منذ وقت طويل، بلاد عريقة جداً وموغلة في عمق التاريخ! بلاد الفلاسفة كما يقولون.
كانت البداية في أن أبحث عن استشارة بشأن هذا المكان غير المطروق تماماً في السنين الأخيرة، وكان يدور في مخيلتي عن اليونان تدهور أوضاعهم الاقتصادية، لكن بسؤال أهل الخبرة أشاروا بأن الوجهة مثالية جداً، فأجواءها صافية ومعتدلة، كما هو الحال في أغلب مصايف البحر المتوسط، وحالهم الاقتصادية أفضل الآن، على الأقل ظاهرياً بعد دعم الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي، وهو ما لا أعرف خفاياها لكني هناك رأيت أن الأعمال لم تتوقف ومستمرة والسياحة معتنى بها ومحتفى بها من قبل الجميع، وهذا المهم. لم أكن متأكداً تماماً حيال الأماكن التي سأزورها هناك قبل أن أذهب، بالطبع أعرف أنه من الضروري الوصول إلى أثينا والمغادرة منها، فالمطار الدولي الوحيد كان هناك، وهو مطار أطلقوا عليه اسم أحد السياسيين اليونانين والذي تولى منصب رئيس الوزراء اسمه صعب كعادة الكثير من اليونانين: إلفثيريوس كيرياكوس فينيزيلوس، والاقتراح التالي كان الانتقال لأحد أشهر جزر الأرخبيل اليوناني، جزيرة سانتوريني، وتقع على بعد 45 دقيقة بالطائرة جنوباً عن أثينا، والعودة مجدداً إلى أثينا. كانت هناك أفكار لزيارة كريت الشهيرة، وميكونوس، لكن الأساس الجاذب كان سانتوريني بقبابها البيضاء والزرقاء وطبيعتها الريفية الممتعة وشواطئها الهادئة المسالمة.
من هنا وعلى بركة الله انطلقت أبحث عن أيسر السبل للوصول جواً إلى هناك، وما رغبت في جولات عبور أو ترانزيت بين المطارات ترهقني ومن معي، لا سيما وأن الرحلات قد تكون في أوقات المساء أو الصباح الباكر وهو ما قد يصعب احتماله. فكانت إحدى الخيارات السفر على خطوط بحر إيجه، الخطوط الإيجية وإيجه هو البحر الفاصل بين هضبة الأناضول وبين اليونان، هي الخطوط الوحيدة التي تسير رحلات مباشرة إلى هناك من الرياض، ولكني بسرعة غضضت الطرف عنها لأسباب ثلاثة: شح الرحلات المتوفرة في التواريخ التي أريدها، والثمن المرتفع نسبياً عن الميزانية، وكذلك عدم ثقتي بسمعتها. وبحثت عبر الخطوط السعودية فلم أجد سوى رحلات محدودة يجري تشغيلها عبر الخطوط الإيطالية، وتصل إلى روما ثم إلى أثينا وهو ما استبعدته تماماً، فكرت بالتركية والإمارات والاتحاد، لكن كلها اتفقت في الأسباب التي جعلتني أرفض اختيارها، وجاء الفرج عبر البحث المستمر والوصول إلى ترتيبات ممتازة عبر طيران الخليج الواقع في البحرين الجميلة!
رحلتي إلى اليونان – الجزء الأول
: 09-10-2019 03:23 مساءً |
التعليقات المعتمدة : 0 تعليقات |
: 527 مشاهدة