الخطة في هذه التدوينة هي أن أتحدث أكثر عن وجهتي التالية في اليونان، بعد أن تحدثت على مدى جزأين عن الرحلة، الوجهة التالي هي جزيرة القباب الزرق والمباني البيضاء، جزيرة سانتوريني، ولعل من الممتع المدهش أن أبدأ بالاسم، هذا الاسم كما قرأت مرات، كتبه مرة العالم الإدريسي صاحب الرحلات الجغرافية والخريطة الشهيرة، كان أن سماها سان توريني، وهي في الأصل سان آيرين، والاسم الأساسي اليوم الرسمي في اليونان هو ثِيرا، تبعد الجزيرة 200 كيلومتراً إلى الجنوب، ومساحتها 90 كيلومتر مربع، وللمقارنة فالرياض الحبيبة تبلغ مساحتها 1800 كيلومتر مربع. هذه الجزيرة هي بركان قبل 1000 أو ألفين سنة، قالت لنا هذه المعلومة ماريّا الممتلئة، وهي تشرح لنا خلف مكتب الاستقبال في الشقق الفندقية الفللية عن تاريخ الجزيرة، خمد البركان مثلما تخمد كل الأشياء في هذه الحياة بعد فوران وخفوت، وربما تنفجر بعد مرات ومسببات، المهم عندما خمد انقسمت الجزيرة إلى ثلاث أجزاء، الجزيرة الرئيسية، ثيرا، وثيريسيا، وفوليكنو، الأولى تتشكل كهلال على اليمين إذا نظرت إلى الجزيرة من الأعلى في خرائط قوقل، والبركان وجزيرته الصغيرة جداً في الوسط، وسط الدائرة، وإلى أقصى اليسار، الجزيرة الوحيدة المعزولة، ثيريسيا.
تركز اهتمامي وتجولي بطبيعة الحال على الجزيرة الرئيسية، تنقسم الجزيرة إلى تضاريس ثلاثة، أعلى قمة في مدينة أو لنقل حي آيا (OIA) وهو أقصى شمال الجزيرة، ويتيمز بأنه المكان الراقي والوجهة الأساس للسياح، حيث أن أنيق وملئ بالمطاعم والمناظر الخلابة المطلة على الكالديرا أو وهي ظاهرة تصاحب البراكين، حيث تتشكل أوعية مائية يملأها البحر. ولغروب الشمس هناك جمال رهيب. الحي التالي إلى الجنوب قليلاً وفي منتصف الهلال المذكور وبالقرب من شاطئ يطل على جزيرة البركان يقع حي ثيرا، أو فيرا، في اليونان يستخدمون حرف ثيتا، ذاك الذي يمثل الزوايا في الرياضيات، ويلفظ كنحو لفظ الثاء، هذه المدينة شبه منبسطة الدروب مقارنة بآيا الآنفة الذكر، ومتوسطة الترتيبات، ومكتظة بالسياح، وفيها من المطاعم والأماكن والممرات المخصصة للمشاة ما يسر الخاطر ويبهج عين الناظر. تناولت مرتين طعاماً لذيذاً هناك، في مطعم يقع في قلب الحي، تناولنا طعاماً تقليدياً يونانياً مشكلاً، طماطم وخضار محشي بالأرز، وخروف مطهو ببطء، والمصقعة، نعم وهي نفسها التي نتناولها، صينية الباذنجان، لكنهم يستخدمون طبقات من الباشميل، تفيض عن حاجة النفس، وكذلك دجاجاً ذو نكهة ناطعة كما نقول، وبعد الغداء اللذيذ كنت أقصد محل الجيلاتو الفظيع، وأبتاع آيسكريم الفحم، التسمية رهيبة، والطعم بالشكوكولاته، جاركول فليفر، ممتع وسعيد!
الحي الأخير في سانتوريني وهو الأثير إلى قلبي، حي بيروفولوس، هذا الحي الشاطئي، المصيف الرهيب، بشواطئه الفظيعة، وسهوله المنبسطة الممتلئة والمتخمة بشتلات الكروم من كل مكان، تساءلت ما هذه الشجيرات في كل مكان فقالوا أنها أعراش عنب، في الجزيرة تزدهر جداً صناعة النبيذ، ويصدرونه إلى أوروبا، ويعده القوم أجود أنواعهم قاطبة، نسأل الله فضله ونهر الجنة. كنت في أول الأيام غير مدرك لجمال المكان الذي اخترناه لسكنانا، كنت أتصور المباني البيض طوال الوقت، لكنني مع الوقت أدركت قيمة التجول بسهولة على القدمين، المشي هنا وهناك، الذهاب إلى ذاك الشاطيء العجيب برماله السود! ليست رمالاً تماماً، كانت حبات حصى منمنة، صغيرة جداً، بلون أسود ورمادي وأحمر وأبيض، وعلى امتداد الشاطئ كانت هناك العديد جداً من المطاعم الرائعة، والجلسات المزينة على البحر، الشمس حادة لكن الظل بارد، من هنا ستحتاج لغطاء رأس ولنظارة شمسية، وأنا من النوع الذي لا يرتديها، لكنني في السفر يحلو لي ذلك. أتذكر مطعماً رائعاً في تلك المنطقة، مطعم تيرا نيرا، وكذلك البقالات الجميلة الممتدة في المكان، استعد فتشبع من الايسكريم ومن القهوة اليونانية اللذيذة، كنت أنتقل نسبياً بكتابي وأتصفحه، فلا المكان ولا الوقت ولا الصحبة تسعفني.
رحلتي إلى اليونان – الجزء الثالث
: 09-10-2019 04:24 مساءً |
التعليقات المعتمدة : 1 تعليقات |
: 590 مشاهدة