العودة ولو طال وقت تحققها أو قصر لها طعم الوفاء للكلمة وللفعل، أعود وأستكمل تفاصيل الرحلة، وقصدي حقاً ان أستمتع باسترجاع الذكريات بالمقام الأول ثم رصد أفكار وانطباعات ستكون بلا شك مفيدة لكل أحد بتوفيق الله وتسديده. العين مدينة مرتبة جداً ومألوفة جداً وهادئة، وعناية أهل الإمارات بها رفيعة، شوارع فسيحة وجهات حكومية مدارس، وعلم الإمارات الكريمة يرفرف على كل بيت، العين تشبه الرياض حقاً، مدينة قرب الجبال والهضاب، لا بحر ولا مرتفعات، على سفح جبل حفيت تتمطى مثال ظبي عنود رشيقة. الفندق كان منتج دانات، والعلامة التجارية هذه علامة إماراتية، حيث كان المبنى العتيق يعود لثلاثين عام تقريباً، كان في الأصل فندق الانتركونتيننتال، تغير مؤخراً إلى دانات، ولا يزال طعم التصاميم القديمة يعبق بالمكان، الفندق شيق جداً، بساحاته الواسعة ومبناه المضلع، لكل غرفة شرفة وهو ما كان يحلو لي التطلع هنا وهناك، على اليمين جبل حفيت والذي يمثل وجهة مميزة لكني لم أتمكن من فرصة زيارته على أنه يحتاج لسيارة دفع رباعي لصعوده، وهو يشبه حافة العالم كما في الرياض أو في الجراند كانيون، أشاهد إضاءة الطريق المؤدي للقمة من بعيد، على اليسار هناك تقع أحراش إحدى الحدائق أو المتنزهات التي تعج بها العين، ويمتد النخيل إلى أبعد البعيد، العين مدينة ممتلئة بالنخيل وهنا ملمح ثاني في تشابهها مع الرياض، شاقني جداً تنظيم شوارعها ووضوح الأماكن فيها، وتنوعها بين المحافظة على الأماكن العتيقة وعلى الحداثة والتطور.
كانت الخطة الأساس زيارة حديقة الحيوان، حديقة عريقة جداً على مستوى المنطقة، وأعظم ما فيها هو أنها افتتحت في الستينات حسبما فهمت. وتطورت مع الوقت حتى صارت على مستوى متقدم جداً من الترتيب والتصميم والفعاليات، حتى على مستوى عرض الحيوانات وترتيبها كان شيقاً جداً كيف أن الحاجز الزجاج كان وحده ما يفصل بينك وبينك لبوة أو أسد، كان أجمل ما استمتعت به هو مرئى النمر الأبيض، كان نشيطاً ويدور في مسارات من الواضح أنه لا يغيرها، ذلك أن العشب اختفى من المكان الذي اتخذه للدوران هنا وهناك والالتفات والزئير بين حين وحين، كان الأسد بعيداً نسبياً، والمعلوم أنه ينام طويلاً، اللبوة كانت على حال من النشاط عجيب، واقتربنا منها ملمترات عبر الزجاج كان على الإثارة بمكان. الحقيقة لم أشاهد فيلة! لكني شاهدت الظبي الهندي الرشيق المحنّى، والحمير الوحشية ووحيد القرن والذي أضحك من تسميته بالخرتيت، الزرافات كانت نجوم المكان، حيث إن أحد أجمل التجارب تتمثل في إطعامها خساً وجزراً، حيث تتوجه لمنصة مرتفعة معدة لذلك، وتشتري الجزر والخس، التحدي يكمن في جلب الزرافات من بعيد فقد تختار الوقوف بعيداً كأنها لا تريد أن تأكل، فيساعد العاملون هناك، أتذكر القيمين على الحديقة ينادون بانو وإدوارد، الزرافتان الحرونتان، من الحرن وهو العناد. شاهدنا أنواعاً من الزواحف عجيبة، وفرس النهر وهو يسبح مع صغيره. في وسط الحديقة بالإمكان خوض عدة تجارب أخرى لكني ما تمكنت من ذلك، أن تحظى بعشاء بين الأسود في السفاري، أو أن تتجول بين الحيوانات الطليقة في السفاري بقيم إضافية واحترازات أخرى تتعلق بعدد الأشخاص وأعمارهم. مكثت بالحديقة من الساعة 10 صباحاً حتى المساء، قرب المغرب، في الحديقة منتزهات عدة، وقطار ينقلك من مكان لثانٍ، ومسجد كبير مبارك، ومحلات لبيع الطعام وعدة مطاعم، كلها بتصاميم مستوحاة من أجواء الحيوانات. في ركن قصي من الحديقة، هنالك ركن متكامل للأطفال، فيه عروض تقام لاستعراض مقدرات الطيور الجارحة، ما استحوذ كفاية على اهتمام رفاقي فتركناه مقابل الاسترخاء أكثر. فرصة أيضا لركوب حصان البوني القزم، والخيول وكذا الإبل، كل ذاك في حديقة حيوان الأطفال، تذكرت أيضا وجود ألعاب تسـاجر بالساعة، دراجات وألعاب هوائية. أحد أكثر الأشياء الشيقة هو إطعام الطيور، طيور الحب الصغيرة تداعم الصحن الملئ بالحبوب في يدك، أو في يدك مباشرة، ضحكت جداً وأنا أقول يار رب ارزقني وارزق مني. كان من أميز المشاهد كذا، الجلوس قرب الفهد الرشيق، ونظراته المسترخية. وكذا الاطلاع على نموذج المزارع والسقي في حدائق العين على الطريقة التقليدية.رحلة إلى الحديقة لاشك وأنها ستترك أجمل الانطباعات، حسابهم في تويتر رهيب وفعال بطريقة مدهشة جداً تابعوه!
اليومان التاليان في العين كان أحدها مقضياً في زيارة لمول العين، سوق شيق جميل ممتع. جلت في مقهى بول واستكملت كتابة وترجمة ونشر قصة نهايات سعيدة، وكانت ذكرى طيبة مع حفاوة واهتمام الندل هناك. استمتعت بالمحلات وتخفيضات نهاية العام، اليوم الأخير كان للاسترخاء في المنتجع والتجول في مرافقه والحصول على جلسات راحة لا ينفك الجسد يطلبها. ثم العودة إلى الشارقة من جديد.
في الشارقة تبقى يومان قضيتها في العبور بما أمكنني من متاحف، وكذا أماكن سياحية أخرى. المتاحف الجميلة هي متحف المحظة وهو متحف في الأصل كان المطار الأول في الخليج، بني في الثلاثينات واستأجره البريطانيون وانتهى العمل به في السبعينات، من المميز فيه استعراض تقنيات وتاريخ الطيران وليس تاريخ المحطة وحسب. متحف الخط في وسط الشارقة القديمة كان معرضاً محدوداً وفيه قاعات مغلقة للتجديد فلم يكن شيقاً بما يكفي. كان الانتقال بعد ذاك إلى جزيرة النور، هي جزيرة طبيعية في بحيرة المجاز، طورت وزرعت بشتى أنواع الخضرة وبني إليها جسر تمشي للوصول إليها، وفيه صوت ذبذبة وترنيم عجيب وكأنك خارج العالم، فيها كذلك حديقة للفراشات تصورت وجود فراشات أكثر، لكن كان الشيق مشاهدة كيفية خروج الفراشة من الشرنقة بألوانها العجيبة وانتظارها مدة حتى تجف أجنحتها وتمارس الطيران. كان الشيق كذا ممر الترامبولين قرب البحر، ركضت فيه إلى أعمق لحظات الطفولة. والشواطيء العجيبة هناك وصوت البحر يضرب أمواج الجزيرة. بالقرب جامع النور وتسمع الأذان يصل إليك ندياً، الشيق كذلك كان الأعمال الفنية المتناثرة في أرجاء الجزيرة، وهنالك ديوان الأدب، حيث ألقيت قصيدة نسيتها! كان هناك ايضا سوق شيق في الشارقة اسمه ميغا مول تجولنا فيه قليلاً وخخضرت علاضاً سينمائياً. أخيراً، أحد أميز الأماكن في الشارقة كان قناة القصباء والمحلات المطلة عليها، مطاعماً ومقاهٍ قرب عين الإمارات وهي دولاب كبيرة ركبناه واستمتعنا بالتجربة العجيبة فيه، أتذكر خبز الخمير في مقهى الفنيال، والنافورة الراقصة والبرد والضحك وركوب السفينة، تجربة لا تضاهى.
كانت الشارقة والعين رحلة متميزة ومختلفة تماماً، وتنويعاً ممكناً ومطلوباً، فعاليات وأفكار جديد مستحدثة تخرج المرء من التجارب المعتادة. عدت للرياض، عبر مطار الشارقة المكتظ، واستمتعت برحلة لا يزال صدى ذكرياتها يرن في روحي مثل جرس أبدي، تشرق في العين وتبهج الخاطر، الآن يكفي كل هذه الصور المتكلفة، وأقول شكراً للقراءة وسعيد بها بك يا قارئ الكلمات.
رحلتي إلى العين والشارقة – الجزء الثاني
: 09-10-2019 01:10 مساءً |
التعليقات المعتمدة : 0 تعليقات |
: 575 مشاهدة