هل تردع العقوبات الأمريكية أطماع تركيا؟

583 مشاهدة / 0 التعليقات
هل تردع العقوبات الأمريكية أطماع تركيا؟
 «لا بد أن تتوقف تركيا عن هذا الأمر»، كان هذا عنوان افتتاحية مجلة «ذي أتلانتك» الأمريكية، وهي الرغبة التي تجتاح كل الأمريكيين تجاه الاعتداء التركي على شمال شرق سوريا بتسهيلات أمريكية.

كثيرون يعتقدون أن مكالمة ترمب الهاتفية التي أعطى خلالها الضوء الأخضر لإردوغان كانت وراء الهجوم، وكانت سببا في شعور الأمريكان بالذنب تجاه الأكراد الذين يشعرون بخيانة كبيرة بعدما ساعدوا الولايات المتحدة في القضاء على داعش.

وبينما بدأت أمريكا في تطبيق بعض العقوبات الاقتصادية على تركيا، يرى الكثيرون أنها لا تكفي وحدها لوقف العدوان التركي وردع أطماع إردوغان، في حين يؤكد بعض المحللين أن الأخير يراهن على علاقته مع ترمب لرفع هذه العقوبات في أي وقت لاحق.

العقوبات الاقتصادية

وجد ترمب في العقوبات الاقتصادية ضالته، حيث يعتبرها أقل تكلفة من العمل العسكري الباهظ، إذ تشبع رغباته في تطبيق الضغط الاقتصادي المطلوب والقابل للتصعيد والتخفيض، بالتناسب مع الصفقات التي يسعى لها، ولكن في حالة الاجتياح التركي في سوريا ظهرت محدودية قدرة هذه الوسيلة التي يسعد بها ترمب ويلجأ إليها دائما.

واستخدمت العقوبات الاقتصادية بصفتها أداة سياسية للحكومات، وهي موجودة منذ الإغريق القدماء على الأقل، إلا أن العقوبات المالية، وحظر السفر، وغيرها من العقوبات المحددة والمعقدة، لم تظهر إلا مع إدارة جورج دبليو بوش، وانتشرت وتضاعفت في عهد ترمب، حيث يطبق الآن ما يبلغ عدده 32 برنامجا من برامج العقوبات المتطورة النشطة، التي تنفذها الحكومة الأمريكية، ويتسم بعضها بالضخامة الاستثنائية، مع أهداف طموحة للغاية، بما في ذلك:

إرغام ديكتاتور كوريا الشمالية على التخلي عن ترسانة الأسلحة النووية
دفع المرشد الأعلى لإيران للتخلي عن مساعيه النووية ومكائده في الشرق الأوسط
إجبار زعيم فنزويلا الاستبدادي على التخلي عن السلطة


الباب المفتوح

أصبحت وسيلة إدارة ترمب الثابتة والوحيدة لمواجهة أكثر مشكلات العالم تعقيدا وأصعبها تتمثل في الضغط الاقتصادي على الدول المستهدفة، مع إبقاء الباب مفتوحا لاستمرارية الحوار والعرض بتخفيف ذلك الضغط، إذا ما عدلت مواقفها وفقا للمطلوب.

وقد أثبتت إدارة ترمب براعتها في فرض الضغوط على تلك الدول، ولكن تبدو قلة كفاءتها حينما يتعلق الأمر بإحداث تغيير في السلوك، فإن الإدارة فشلت حتى الآن في تحقيق النتائج المرجوة في كل من إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا، وأخيرا في سوريا.

مسرحية برونسون

قبل بدء عمليتها العسكرية ضد الأكراد تعرفت الحكومة التركية على هذا النهج، ليس فقط من خلال مراقبة ترمب، بل من تجربتها السابقة لهذا التكتيك وتعرضها له.

ففي العام الماضي فرض ترمب عقوبات على اثنين من المسؤولين الأتراك، ورفع تعريفة الصلب والألمنيوم على البلاد كجزء من محاولة للضغط على أنقرة للإفراج عن القس الأمريكي المسجون أندرو برونسون. وساهمت هذه التدابير في انخفاض حاد في قيمة عملة تركيا وفي النهاية تم إطلاق سراح برونسون.

من الواضح أن تكرار ترمب لمسرحية برونسون لم يكن كافيا لإبقاء إردوغان تحت المراقبة والسيطرة هذه المرة، كما اعترف المسؤولون الأمريكيون أنفسهم، حيث قال مسؤول كبير في إدارة ترمب، اشترط عدم الكشف عن اسمه، إن الحكومة التركية ستخبرك بثقة تامة بأن أي شيء فعلناه، بطريقة أو بأخرى، كان من شأنه أن يردع الأتراك عما أرادوا القيام به في هذه الحالة.

توقع إردوغان

لم يحتج إردوغان للتكهن بما في جعبة ترمب من حيل، إذ إن الأخير كان يكشف كل ما في يديه من أوراق بالفعل.

وأضاف المسؤول «ربما وضع إردوغان في حسبانه مسألة العقوبات الاقتصادية أثناء اتخاذه قرار المضي في هجومه في سوريا»، إذ أكد سونر جاغابتاي، وهو باحث تركي في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ومؤلف كتاب «إمبراطورية إردوغان» أن الرئيس التركي توقع العقوبات الأمريكية على الأغلب، مشيرا إلى وجود علاقة جيدة بين إردوغان وترمب إلى درجة وجود افتتان سياسي متبادل بينهما، بوصفهما رئيسين قويين متماثلين في التفكير، على حد تعبيره.

ويضيف الباحث التركي أن إردوغان يتوقع أن ترمب سينقذ العلاقة في النهاية، كما هو الحال في الصيف الماضي حينما تراجع الرئيس الأمريكي عن فرض عقوبات على تركيا، بسبب شراء تركيا لمنظومة دفاع صاروخية روسية. ويضيف الباحث التركي أن إردوغان يراهن على ذلك مرة أخرى، حيث إن ترمب سيمنع العقوبات المدمرة ضد اقتصاد وجيش تركيا بعد الاجتياح التركي.

ثمرات العقوبات

في الوقت الحالي يبدو أن هذا الرهان يؤتي ثماره، إذ تتوالى الدعوات الشديدة في الكونجرس لمعاقبة تركيا اقتصاديا، وبالفعل فرض ترمب عقوبات على المرتبطين بأعمال تركيا المزعزعة للاستقرار في شمال شرق سوريا، مع رفع التعريفات الجمركية على الفولاذ، وتعليق المفاوضات التجارية بين واشنطن وأنقرة.

لكن وحتى الآن لم تصل العقوبات إلا لثلاثة مسؤولين أتراك فقط، بالإضافة لوزارتي الدفاع والطاقة في البلاد. ويحتمل أن يكون أثر العقوبات ورفع التعريفة الجمركية على الفولاذ ضئيلا؛ لأن صادرات الفولاذ التركي إلى الولايات المتحدة انخفضت بالفعل إثر فرض الرسوم الأمريكية السابقة، كما أن الصفقة التجارية بين الولايات المتحدة وتركيا لم تكن أصلا قريبة من الإتمام.

ردة الفعل

تختلف ردة فعل أعضاء التحالف ضد داعش بقيادة الولايات المتحدة، إذ يراقبون برعب ما يسببه الحدث الأخير من عكس مسار الانتصارات التي حققوها ضد ذلك التنظيم الإرهابي، مما يدفعهم لاتخاذ إجراءات أكثر صرامة تجاه التدخل العسكري التركي.

فعلى سبيل المثال حظرت فرنسا وألمانيا صادرات الأسلحة إلى تركيا، كما وعد أعضاء الكونجرس الديمقراطيون والجمهوريون بتنفيذ انتقامهم الخاص، خاصة مع دعوة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي إلى استصدار قرار مشترك من الحزبين لنقض قرار ترمب في سوريا، وفرض عقوبات على تركيا أشد من التي فرضها البيت الأبيض، وأوضح جاغابتاي أن عقوبات إدارة ترمب تعد متساهلة وخفيفة للغاية، وتبدو أقرب لمحاولة لتخفيف حدة جهود الكونجرس لمعاقبة تركيا.

تشويش والتباس

علقت إليزابيث روزنبرغ، والتي سبق أن عملت على سياسة العقوبات في إدارة أوباما، وهي الآن في مركز الأمن الأمريكي الجديد، قائلة «إذا أصبحت العقوبات الأمريكية رمزية غالبا ستكون هذه تكلفة اقتصادية أو دبلوماسية بسيطة نسبيا تتحملها تركيا لتعزيز أهدافها العسكرية في المنطقة».

يتسم تطبيق العقوبات على تركيا بالتشويش والالتباس على الهدف، وهو عيب وصم جهد العقوبات الأمريكية السابقة ضد إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا بالمثل.

منع ذبح المدنيين

علاوة على ذلك صرح مسؤولو إدارة ترمب بأن هدف العقوبات يتمثل في منع تركيا من ذبح المدنيين عشوائيا، والقضاء على الجماعات العرقية، وإعادة توطين اللاجئين السوريين بالإكراه، مع إجبار الأتراك على التفاوض بشأن وقف لإطلاق النار، ثم التوصل إلى حل لصراعهم مع الأكراد، ولكن إخماد الحريق العسكري الذي يتكشف ويتفاعل في الوقت الحالي لا يمكن عبر تلك الإجراءات التي تستغرق وقتا طويلا لجني ثمارها، والتي تعتمدها إدارة ترمب.

تهديد داعش

علق خوان زاراتي، وهو مسؤول كبير في مجال العقوبات ومكافحة الإرهاب في إدارة جورج دبليو بوش ويشغل الآن منصب رئيس شبكة النزاهة المالية قائلا «تضع الإدارة والكونجرس أكثر فأكثر مطالب وتوقعات ثقيلة وفورية على قدرة العقوبات والتدابير المالية على المعاقبة والردع، وحتى تغيير السلوك فيما يتعلق بالتحديات الشائكة لأمننا القومي كله». وأضاف «إن هذه الغريزة الأولى للتوجه لاستخدام العقوبات من شأنها إعفاء صانعي السياسة من اتخاذ قرارات صعبة أخرى بشأن استخدام القوة والأدوات الأمريكية، بما في ذلك القوة العسكرية وتدابير الاستخبارات، وفي حالة تركيا وسوريا فإن فعالية التهديد كانت ستنجز ببقاء القوات الأمريكية دفاعا عن السلام، مع التمسك بالعمل مع الأكراد لاحتواء تهديد داعش».
أزرار التواصل الاجتماعي