تونس وأخطار الاقتصاد الموازي
حذر المحافظ الجديد للبنك المركزي التونسي من تحديات مالية واقتصادية «عميقة» تواجه البلد، مشيراً إلى أهمية الأخطار الناتجة من ارتفاع العجز التجاري وتفاقم مشكلة البطالة، ومضاعفة أرقام التضخم مع انخفاض قيمة الدينار، وتراجع حجم احتياطات العملات الأجنبية إلى مستويات قياسية تغطي الواردات لنحو 78 يوماً فقط، وهو أدنى مستوياتها منذ 15 سنة. وما يزيد الوضع خطورة، حصول كل هذه التطورات السلبية في وقت تستعد تونس للاقتراض من الأسواق العالمية لتمويل العجز المالي في موازنة العام الحالي، وسد حاجاتها من العملات الأجنبية.
وعلى رغم أن المحافظ الجديد وصف المؤشرات الاقتصادية بأنها «مخيفة»، فهو أبدى تفاؤلاً بأن «لا بد من إيجاد حل لكل أزمة»، وبما أن تونس تعيش في الفترة الحالية «ظرفاً خارقاً للعادة» يجب مواجهته بإجراءات استثنائية و «خارقة».
وفي ظل تطور هذه المؤشرات السلبية، تبرز خطورة الاقتصاد الموازي للدولة وتداعياته، والذي يكلف خسائر تقدر بنحو خمسة بلايين دينار(نحو بليوني دولار)، وهو يشغل نحو 520 ألف مواطن ويمثل 23 في المئة من حجم التشغيل في القطاع الخاص، حتى أن التجارة «الموازية» أصبحت تمثل 53 في المئة من الناتج المحلي الخام، في مقابل 19 في المئة فقط عام 2010، وتبلغ حالياً أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
من الطبيعي أن يساهم تطور نشاط الاقتصاد الموازي في التأثير سلباً على الاقتصاد التونسي ككل، وهو يعاني ضعف تداول السيولة المالية ضمن القطاع المصرفي القانوني، ويجب أن يعاد إليه نحو 12 بليون دينار (4.8 بليون دولار) متداولة في السوق الموازية. لذلك اعتبر المحافظ الجديد هذا الواقع مثابة «المعضلة» من الضروري تجاوزها لإعادة التوازن لمجموعة من المؤشرات الاقتصادية، وقد تعهد باتخاذ إجراءات صارمة للحد من الاقتصاد الموازي الذي ينهك اقتصاد البلد. فهل سينجح في تحقيق أهدافه، وهو الخبير المالي والاقتصادي الآتي من البنك الدولي؟ أم أنه سيواجه مصير سلفه الشاذلي العيارى الذي أقيل من منصبه في الشهر الماضي، وقبل انتهاء مدة ولايته في تموز( يوليو) المقبل؟
أقيل المحافظ السابق بناء لطلب رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وبقرار جاء عقب إدراج الاتحاد الأوروبي تونس في» قائمته السوداء» التي تضم الدول الأكثر عرضة لأخطار عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتعدها المفوضية الأوروبية استناداً إلى توصيات مجموعة العمل المالي الدولية (غافي). ويعود تحميل العيارى مسؤولية القرار الأوروبي، إلى أن تقرير «غافي» المتعلق بتونس، أعدته لجنة تابعة للبنك المركزي التونسي. وأكد البرلمان الأوروبي على تصنيف تونس بين الدول التي تنطوي على خلل استراتيجي في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولافت أن هذا القرار أشعل سجالاً حاداً في البلد، خصوصاً أن تونس تعتمد في معظم تجارتها الخارجية وعملياتها المالية والمصرفية على الدول الأوروبية.
لا شك في أن عمليات تبييض الأموال تؤثر على أداء مكونات الاقتصاد الكلي، خصوصاً إذا واكبها وجود اقتصاد خفي يتضمن نشاطات اقتصادية غير مشروعة، وهي تهدد الشفافية الدولية والقطرية في أسواق المال، ما يضعف صدقيتها وينال من سمعتها، وهي تعود في الوقت ذاته إلى الاستثمار في الأصول المحفوفة بالأخطار، كما أن هذه العمليات تؤثر على توزيع الدخل بين فئات المجتمع، وتؤدي إلى التأثير على السياسات المالية عن طريق التهرب من دفع الضرائب، وكذلك إلى عدم الاستقرار وارتفاع درجة الأخطار بالنسبة لنوعية الأصول التي تديرها المؤسسات المالية، بما يؤثر على المتغيرات النقدية.
إضافة إلى ذلك، هناك آثار غير اقتصادية، إذ يؤدي تبييض الأموال إلى حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية، خصوصاً بعدما أثبتت الدراسات وجود علاقة بين تبييض الأموال وحركات الإرهاب والتطرف والعنف الداخلي والمافيات الدولية، فضلاً عن توفير الدعم المالي لشراء السلاح اللازم لحدوث الانقلابات والتمرد والحروب الأهلية وغيرها من الاضطرابات، وكذلك وجود علاقة وثيقة بين الجاسوسية السياسية والاقتصادية وتبييض الأموال، نظراً لحاجة التمويل لعملياتها وتوجيه الأموال إلى دول معينة، واستخدامها في تأسيس شركات وهمية لمزاولة أعمال غير مشروعة.
ومن الطبيعي أن يأتي نشاط «بنوك الظل»، في إطار العمليات المالية غير المشروعة، وقد ازداد قلق المستثمرين من أخطار نتائج هذه العمليات وتداعياتها وما توفره من أسباب لحدوث أزمات مالية ومصرفية متتالية تهدد الاقتصاد العالمي، وكأن رجال المال والأعمال والخبراء وكبار المسؤولين الاقتصاديين، وحتى القادة السياسيين، لم يتعلموا من دروس نتائج الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية عام ٢٠٠٨، في أعقاب انهيار مصرف «ليمان براذرز» وانتشرت تداعياتها السلبية في مختلف دول العالم.
أما بالنسبة إلى تطور نشاط «صيرفة الظل»، فقد ارتفع وفقاً لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي، نحو ٣٣ تريليون دولار بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٧ ليبلغ نحو ٥٠ تريليون دولار، ثم انخفض نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية إلى نحو ٤٧ تريليون دولار، لكنه سجل تحسناً تدريجياً في السنوات التالية مستعيداً نشاطه السابق، وبلغ وفقاً لتقدير مجلس الاستقرار المالي ٥١ تريليون دولار عام ٢٠١١، ثم قفز إلى ٦٧ تريليوناً عام ٢٠١٢. ولوحظ أن حصة الولايات المتحدة تراجعت من ٤٤ في المئة عام ٢٠٠٥ إلى ٣٥ في المئة عام ٢٠١١، بنحو ٢٣ تريليون دولار، في ظل توسع هذا النشاط في دول أوروبا الغربية، إذ بلغ في منطقة اليورو ٢٢ تريليون دولار، وفي المملكة المتحدة نحو ٩ تريليونات. أما في الصين فقد قدر إجمالي النشاط المصرفي خارج الموازنة العامة للبنوك بنحو ١٧ تريليون يوان، أي ما يقترب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. ويهيمن على هذا النظام في الصين الإقراض لذوي الأخطار المرتفعة، مثل الحكومات المحلية والمطورين العقاريين، والشركات الصغيرة والمتوسطة.
وعلى رغم أن المحافظ الجديد وصف المؤشرات الاقتصادية بأنها «مخيفة»، فهو أبدى تفاؤلاً بأن «لا بد من إيجاد حل لكل أزمة»، وبما أن تونس تعيش في الفترة الحالية «ظرفاً خارقاً للعادة» يجب مواجهته بإجراءات استثنائية و «خارقة».
وفي ظل تطور هذه المؤشرات السلبية، تبرز خطورة الاقتصاد الموازي للدولة وتداعياته، والذي يكلف خسائر تقدر بنحو خمسة بلايين دينار(نحو بليوني دولار)، وهو يشغل نحو 520 ألف مواطن ويمثل 23 في المئة من حجم التشغيل في القطاع الخاص، حتى أن التجارة «الموازية» أصبحت تمثل 53 في المئة من الناتج المحلي الخام، في مقابل 19 في المئة فقط عام 2010، وتبلغ حالياً أكثر من 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
من الطبيعي أن يساهم تطور نشاط الاقتصاد الموازي في التأثير سلباً على الاقتصاد التونسي ككل، وهو يعاني ضعف تداول السيولة المالية ضمن القطاع المصرفي القانوني، ويجب أن يعاد إليه نحو 12 بليون دينار (4.8 بليون دولار) متداولة في السوق الموازية. لذلك اعتبر المحافظ الجديد هذا الواقع مثابة «المعضلة» من الضروري تجاوزها لإعادة التوازن لمجموعة من المؤشرات الاقتصادية، وقد تعهد باتخاذ إجراءات صارمة للحد من الاقتصاد الموازي الذي ينهك اقتصاد البلد. فهل سينجح في تحقيق أهدافه، وهو الخبير المالي والاقتصادي الآتي من البنك الدولي؟ أم أنه سيواجه مصير سلفه الشاذلي العيارى الذي أقيل من منصبه في الشهر الماضي، وقبل انتهاء مدة ولايته في تموز( يوليو) المقبل؟
أقيل المحافظ السابق بناء لطلب رئيس الوزراء يوسف الشاهد، وبقرار جاء عقب إدراج الاتحاد الأوروبي تونس في» قائمته السوداء» التي تضم الدول الأكثر عرضة لأخطار عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، وتعدها المفوضية الأوروبية استناداً إلى توصيات مجموعة العمل المالي الدولية (غافي). ويعود تحميل العيارى مسؤولية القرار الأوروبي، إلى أن تقرير «غافي» المتعلق بتونس، أعدته لجنة تابعة للبنك المركزي التونسي. وأكد البرلمان الأوروبي على تصنيف تونس بين الدول التي تنطوي على خلل استراتيجي في أنظمتها لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ولافت أن هذا القرار أشعل سجالاً حاداً في البلد، خصوصاً أن تونس تعتمد في معظم تجارتها الخارجية وعملياتها المالية والمصرفية على الدول الأوروبية.
لا شك في أن عمليات تبييض الأموال تؤثر على أداء مكونات الاقتصاد الكلي، خصوصاً إذا واكبها وجود اقتصاد خفي يتضمن نشاطات اقتصادية غير مشروعة، وهي تهدد الشفافية الدولية والقطرية في أسواق المال، ما يضعف صدقيتها وينال من سمعتها، وهي تعود في الوقت ذاته إلى الاستثمار في الأصول المحفوفة بالأخطار، كما أن هذه العمليات تؤثر على توزيع الدخل بين فئات المجتمع، وتؤدي إلى التأثير على السياسات المالية عن طريق التهرب من دفع الضرائب، وكذلك إلى عدم الاستقرار وارتفاع درجة الأخطار بالنسبة لنوعية الأصول التي تديرها المؤسسات المالية، بما يؤثر على المتغيرات النقدية.
إضافة إلى ذلك، هناك آثار غير اقتصادية، إذ يؤدي تبييض الأموال إلى حدوث اضطرابات اجتماعية وسياسية، خصوصاً بعدما أثبتت الدراسات وجود علاقة بين تبييض الأموال وحركات الإرهاب والتطرف والعنف الداخلي والمافيات الدولية، فضلاً عن توفير الدعم المالي لشراء السلاح اللازم لحدوث الانقلابات والتمرد والحروب الأهلية وغيرها من الاضطرابات، وكذلك وجود علاقة وثيقة بين الجاسوسية السياسية والاقتصادية وتبييض الأموال، نظراً لحاجة التمويل لعملياتها وتوجيه الأموال إلى دول معينة، واستخدامها في تأسيس شركات وهمية لمزاولة أعمال غير مشروعة.
ومن الطبيعي أن يأتي نشاط «بنوك الظل»، في إطار العمليات المالية غير المشروعة، وقد ازداد قلق المستثمرين من أخطار نتائج هذه العمليات وتداعياتها وما توفره من أسباب لحدوث أزمات مالية ومصرفية متتالية تهدد الاقتصاد العالمي، وكأن رجال المال والأعمال والخبراء وكبار المسؤولين الاقتصاديين، وحتى القادة السياسيين، لم يتعلموا من دروس نتائج الأزمة المالية العالمية التي بدأت في الولايات المتحدة الأميركية عام ٢٠٠٨، في أعقاب انهيار مصرف «ليمان براذرز» وانتشرت تداعياتها السلبية في مختلف دول العالم.
أما بالنسبة إلى تطور نشاط «صيرفة الظل»، فقد ارتفع وفقاً لتقرير أصدره صندوق النقد الدولي، نحو ٣٣ تريليون دولار بين عامي ٢٠٠٢ و٢٠٠٧ ليبلغ نحو ٥٠ تريليون دولار، ثم انخفض نتيجة تداعيات الأزمة المالية العالمية إلى نحو ٤٧ تريليون دولار، لكنه سجل تحسناً تدريجياً في السنوات التالية مستعيداً نشاطه السابق، وبلغ وفقاً لتقدير مجلس الاستقرار المالي ٥١ تريليون دولار عام ٢٠١١، ثم قفز إلى ٦٧ تريليوناً عام ٢٠١٢. ولوحظ أن حصة الولايات المتحدة تراجعت من ٤٤ في المئة عام ٢٠٠٥ إلى ٣٥ في المئة عام ٢٠١١، بنحو ٢٣ تريليون دولار، في ظل توسع هذا النشاط في دول أوروبا الغربية، إذ بلغ في منطقة اليورو ٢٢ تريليون دولار، وفي المملكة المتحدة نحو ٩ تريليونات. أما في الصين فقد قدر إجمالي النشاط المصرفي خارج الموازنة العامة للبنوك بنحو ١٧ تريليون يوان، أي ما يقترب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي. ويهيمن على هذا النظام في الصين الإقراض لذوي الأخطار المرتفعة، مثل الحكومات المحلية والمطورين العقاريين، والشركات الصغيرة والمتوسطة.