أبعاد متغيرات الطاقة عربياً
يشهد قطاع الطاقة تغيّرات خلال هذه الحقبة، لعبت فيه التقنية دوراً مهماً في صناعة النفط، منذ اكتشافها نهاية القرن التاسع عشر. لكن يكمن دور هذه التقنية الآن في استعمالها لإنتاج طاقات مستدامة (رياح وشمسية)، أي تقليص الاعتماد على السلع الهيدروكربونية. إذ بات ممكناً إنتاج سيارة كهربائية أو هجينة بأسعار تنافسية تسوّق تجارياً، ما يعني خفض الطلب على النفط مستقبلاً، وتراجع سعر النفط. في وقت أدى التقدم التكنولوجي إلى إمكان التنقيب والإنتاج في أعماق البحار والمحيطات بل حتى في القطب الشمالي، وإلى التكسير الهيدروليكي للصخور لإنتاج النفط والغاز الصخريين، ما زاد إمدادات النفط الخام من منتجين من خارج منظمة "أوبك". وتحققت تغيّرات تقنية كبيرة في العالم خلال العقود الأخيرة، في مجال الكومبيوتر وهواتف الاتصال الخليوية، وصاحب هذه التطورات نقلة نوعية في تقنيات الحصول على الطاقة المستدامة وتخزينها، ناهيك عن استعمال الغاز الطبيعي لتوليد الطاقة في محطات توليد الكهرباء وتحلية المياه.
ورافق هذه التطورات الصناعية تزايد الوعي الاجتماعي واهتمام الرأي العام العالمي، بضرورة وضع ضوابط لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من استهلاك السلع الهيدروكربونية. كما بات الرأي العام مهتماً بضرورة التعامل مع النفايات البتروكيماوية (أكياس النايلون والبلاستيك) التي تُرمى في البحار، نظراً إلى آثارها السلبية على الأسماك التي تجد طريقها إلى موائد طعام ملايين البشر يومياً.
كل ذلك، يشكل أبعاداً جديدة يتوجب على الدول المنتجة للهيدروكربونات أخذها في الاعتبار، لدى النظر في مستقبل صادراتها لسلع الطاقة التي هيمنت على الأسواق خلال القرن العشرين، وأبرزها النفط الخام الذي سيطر على سوق الطاقة على مدى القرن الماضي من دون منافس.
وبما أن معظم احتياطات النفط العالمي متواجدة في الدول العربية وتحديداً الخليجية، وبما أن تكاليف إنتاج النفط في المنطقة العربية هي أقل من غيرها في العالم، استفادت دول هذه المنطقة من هذه الظاهرة، خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين.
وطرأت تغيّرات لافتة على الصناعة النفطية منذ عقد السبعينات، على صعيدي الإنتاج والاستهلاك. إذ شجع الارتفاع السريع في الأسعار في السبعينات والثمانينات، على زيادة اكتشاف النفط وإنتاجه من دول كثيرة (النروج وبريطانيا وكندا وماليزيا)، إضافة إلى ازدياد التنقيب في أعماق البحار (خليج المكسيك وبحر الشمال وأنغولا). وبدأت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية في الفترة ذاتها، تشجيع ترشيد الاستهلاك واستعمال بدائل الطاقة. أفضت هذه الظواهر إلى الإنتاج في عدد متزايد من الدول، ليفوق عدد الأقطار المنتجة الثلاثين، فضلاً عن الإنتاج البحري الذي عزز الإمدادات وتحديداً من خارج "أوبك"، ما أضاف إلى الخلل في ميزان العرض والطلب، ومن ثم التدهور الأول في أسعار النفط الخام نهاية عقد الثمانينات.
وتكررت ظاهرة تدهور الأسعار في العقود اللاحقة، لكن بقي النفط مهيمناً على أسواق الطاقة، واستمرت الدول العربية في النظام الاقتصادي الريعي.
نجحت مساعي ترشيد الاستهلاك، بتقليص الطلب على النفط في أوروبا واستبداله تدريجاً بالغاز والطاقات المستدامة، لكن برزت ظاهرة أخرى معاكسة لها تماماً وفي الفترة ذاتها تقريباً (بداية الألفية)، تمثلت بالتنمية الاقتصادية المستدامة في الصين. إذ ازداد الاستيراد الصيني من مليوني برميل يومياً إلى 3 ملايين في أوائل التسعينات ليصل إلى نحو 8.8 مليون برميل يومياً في 2016. ودعمت زيادة الواردات النفطية أسعار النفط. كما أفضت الطفرة الصناعية في شرق آسيا، إلى تصدير ما يزيد على 60 في المئة من نفط دول الخليج والعراق وإيران إلى الأسواق الآسيوية.
استمرت وتيرة تسارع ظاهرة المتغيرات في أسواق النفط والطاقة، نتيجة الاكتشافات العلمية، بحيث بدأت الدول المستهلكة تركز وفي شكل متزايد، على اختراع تقنيات جديدة للحصول على الطاقة. ساعدت هذه التقنيات في تقليص تكاليف إنتاج الطاقات المستدامة، التي دعمت الحكومات بحوثها وتطويرها من خلال الإعفاءات الضريبية والدعم المالي لها. وانخفضت تكاليف هذه المنتجات في شكل تدريجي، وتحسنت تقنياتها بحيث أصبحت متوافرة اقتصادياً في الأسواق، ومنافسة للطاقات التقليدية. واستقطبت أيضاً اهتمام المستهلكين لفائدتها البيئية ولأسعارها التنافسية.
والسؤال الذي يُطرح الآن هو، متى ستتمكن هذه المنتجات من غزو الأسواق بكثافة؟. لقد شرّعت دولاً كثيرة قوانين وأنظمة تمنع فيها استعمال السيارة ذات الاحتراق الداخلي قبل منتصف القرن، أي منذ ثلاثينات هذا القرن وأربعيناته، ما يعني توقع هبوط استهلاك النفط بعد ثلاثة عقود تقريباً.
وتزامن الاعتماد على زيادة الاختراعات التقنية للحصول على الطاقة، مع اكتفاء الولايات المتحدة بالنفط الخام بسبب تمكن الشركات من دمج تقنيات الحفر الأفقي مع التكسير الهيدروليكي للصخور، في إنتاج النفط والغاز الصخريين تجارياً. كما سُجل تراجع تدريجي في وتيرة استهلاك الصين للنفط، نظراً إلى تغير طبيعة اقتصادها من التصدير الصناعي إلى التركيز على الأسواق الداخلية، لتلبية قطاع الخدمات الذي يتطلب استهلاكاً أقل للطاقة.
التحوّل من نظام طاقوي يعتمد أساساً على السلع الهيدروكربونية، إلى آخر يستند إلى الاختراعات العلمية لاكتشاف إمكانات طاقوية جديدة، أو تعزيز الإنتاج الهيدروكربوني بوسائل حديثة ومن دول منتجة خارج منظمة "أوبك"، سيؤدي إلى تعديل في موازين الطاقة الجيوسياسية. ويعني هذا الأمر تغير اقتصادات ومجتمعات الدول المنتجة الحالية. ويتطلّب ذلك، بدء خطط واستثمارات لتأهيل المجتمعات العربية، حتى في ظل الأوقات الصعبة التي تمرّ فيها اليوم، إلى الزمن الذي سيتقلص فيه الطلب على النفط وانحسار سعره. ومن الضروري المباشرة في التحضيرات للمرحلة المقبلة منذ الآن، نظراً إلى قصر المدة المتبقية للملاءمة مع الأوضاع الجديدة.
التغير الأهم الذي يواجه الدول العربية ليس جيوسياسياً فقط، بل يكمن في كيفية الانتقال من النظام الريعي الاقتصادي إلى نظام اقتصادي، يعتمد على إنتاجية عالية وتنافسية.
ورافق هذه التطورات الصناعية تزايد الوعي الاجتماعي واهتمام الرأي العام العالمي، بضرورة وضع ضوابط لانبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من استهلاك السلع الهيدروكربونية. كما بات الرأي العام مهتماً بضرورة التعامل مع النفايات البتروكيماوية (أكياس النايلون والبلاستيك) التي تُرمى في البحار، نظراً إلى آثارها السلبية على الأسماك التي تجد طريقها إلى موائد طعام ملايين البشر يومياً.
كل ذلك، يشكل أبعاداً جديدة يتوجب على الدول المنتجة للهيدروكربونات أخذها في الاعتبار، لدى النظر في مستقبل صادراتها لسلع الطاقة التي هيمنت على الأسواق خلال القرن العشرين، وأبرزها النفط الخام الذي سيطر على سوق الطاقة على مدى القرن الماضي من دون منافس.
وبما أن معظم احتياطات النفط العالمي متواجدة في الدول العربية وتحديداً الخليجية، وبما أن تكاليف إنتاج النفط في المنطقة العربية هي أقل من غيرها في العالم، استفادت دول هذه المنطقة من هذه الظاهرة، خصوصاً في النصف الثاني من القرن العشرين.
وطرأت تغيّرات لافتة على الصناعة النفطية منذ عقد السبعينات، على صعيدي الإنتاج والاستهلاك. إذ شجع الارتفاع السريع في الأسعار في السبعينات والثمانينات، على زيادة اكتشاف النفط وإنتاجه من دول كثيرة (النروج وبريطانيا وكندا وماليزيا)، إضافة إلى ازدياد التنقيب في أعماق البحار (خليج المكسيك وبحر الشمال وأنغولا). وبدأت الدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية في الفترة ذاتها، تشجيع ترشيد الاستهلاك واستعمال بدائل الطاقة. أفضت هذه الظواهر إلى الإنتاج في عدد متزايد من الدول، ليفوق عدد الأقطار المنتجة الثلاثين، فضلاً عن الإنتاج البحري الذي عزز الإمدادات وتحديداً من خارج "أوبك"، ما أضاف إلى الخلل في ميزان العرض والطلب، ومن ثم التدهور الأول في أسعار النفط الخام نهاية عقد الثمانينات.
وتكررت ظاهرة تدهور الأسعار في العقود اللاحقة، لكن بقي النفط مهيمناً على أسواق الطاقة، واستمرت الدول العربية في النظام الاقتصادي الريعي.
نجحت مساعي ترشيد الاستهلاك، بتقليص الطلب على النفط في أوروبا واستبداله تدريجاً بالغاز والطاقات المستدامة، لكن برزت ظاهرة أخرى معاكسة لها تماماً وفي الفترة ذاتها تقريباً (بداية الألفية)، تمثلت بالتنمية الاقتصادية المستدامة في الصين. إذ ازداد الاستيراد الصيني من مليوني برميل يومياً إلى 3 ملايين في أوائل التسعينات ليصل إلى نحو 8.8 مليون برميل يومياً في 2016. ودعمت زيادة الواردات النفطية أسعار النفط. كما أفضت الطفرة الصناعية في شرق آسيا، إلى تصدير ما يزيد على 60 في المئة من نفط دول الخليج والعراق وإيران إلى الأسواق الآسيوية.
استمرت وتيرة تسارع ظاهرة المتغيرات في أسواق النفط والطاقة، نتيجة الاكتشافات العلمية، بحيث بدأت الدول المستهلكة تركز وفي شكل متزايد، على اختراع تقنيات جديدة للحصول على الطاقة. ساعدت هذه التقنيات في تقليص تكاليف إنتاج الطاقات المستدامة، التي دعمت الحكومات بحوثها وتطويرها من خلال الإعفاءات الضريبية والدعم المالي لها. وانخفضت تكاليف هذه المنتجات في شكل تدريجي، وتحسنت تقنياتها بحيث أصبحت متوافرة اقتصادياً في الأسواق، ومنافسة للطاقات التقليدية. واستقطبت أيضاً اهتمام المستهلكين لفائدتها البيئية ولأسعارها التنافسية.
والسؤال الذي يُطرح الآن هو، متى ستتمكن هذه المنتجات من غزو الأسواق بكثافة؟. لقد شرّعت دولاً كثيرة قوانين وأنظمة تمنع فيها استعمال السيارة ذات الاحتراق الداخلي قبل منتصف القرن، أي منذ ثلاثينات هذا القرن وأربعيناته، ما يعني توقع هبوط استهلاك النفط بعد ثلاثة عقود تقريباً.
وتزامن الاعتماد على زيادة الاختراعات التقنية للحصول على الطاقة، مع اكتفاء الولايات المتحدة بالنفط الخام بسبب تمكن الشركات من دمج تقنيات الحفر الأفقي مع التكسير الهيدروليكي للصخور، في إنتاج النفط والغاز الصخريين تجارياً. كما سُجل تراجع تدريجي في وتيرة استهلاك الصين للنفط، نظراً إلى تغير طبيعة اقتصادها من التصدير الصناعي إلى التركيز على الأسواق الداخلية، لتلبية قطاع الخدمات الذي يتطلب استهلاكاً أقل للطاقة.
التحوّل من نظام طاقوي يعتمد أساساً على السلع الهيدروكربونية، إلى آخر يستند إلى الاختراعات العلمية لاكتشاف إمكانات طاقوية جديدة، أو تعزيز الإنتاج الهيدروكربوني بوسائل حديثة ومن دول منتجة خارج منظمة "أوبك"، سيؤدي إلى تعديل في موازين الطاقة الجيوسياسية. ويعني هذا الأمر تغير اقتصادات ومجتمعات الدول المنتجة الحالية. ويتطلّب ذلك، بدء خطط واستثمارات لتأهيل المجتمعات العربية، حتى في ظل الأوقات الصعبة التي تمرّ فيها اليوم، إلى الزمن الذي سيتقلص فيه الطلب على النفط وانحسار سعره. ومن الضروري المباشرة في التحضيرات للمرحلة المقبلة منذ الآن، نظراً إلى قصر المدة المتبقية للملاءمة مع الأوضاع الجديدة.
التغير الأهم الذي يواجه الدول العربية ليس جيوسياسياً فقط، بل يكمن في كيفية الانتقال من النظام الريعي الاقتصادي إلى نظام اقتصادي، يعتمد على إنتاجية عالية وتنافسية.