قناعات مهنية خاطئة
عندما اضطربت حركة تجريم مخدر الحشيش في الدول الغربية تفاقمت ظاهرة تأييدية عجيبة له. فخرجت المدونات والمقالات التي تدعي النظر بموضوعية إلى جدوى السماح بهذه المادة المضرة، مسعرة لسجال لا ينتهي بين لوبي التجار والحكومات والضحايا الغافلين. وبعيدا عن فحوى هذا السجال، نجد أن هناك من يحاول تبرير سلوكه المدمر بمثل هذه الأقاويل، فيحيل غيره أو يقنع نفسه بوجود تقرير صحافي يدعم ما يقوم به. ثم يبدأ في تكوين قناعة يدافع عنها في حين أنها تهوي به كل يوم إلى الجحيم، لاحقا، لن ينفعه أي طرف في استعادة صحته أو ماله أو عقله.
هناك كثير من الوقائع الغريبة والأفكار البائدة التي لا تزال تعشش في عقول البعض. ومثل ما نجد هذه النقائض اجتماعيا وثقافيا، نجدها كذلك في المجتمع المهني تجر أصحابها إلى الخلف وتثبتهم في محطات مهنية يفترض أن تشكل المراحل الأولى من تطويرهم المهني. ومع الوقت تستمر حالة انتظارهم وتصبح الأصل، إذ لا يقدمون على سلوك الطريق أبدا ويعيشون في تلك المحطات المؤقتة إلى الأبد، حتى "التقاعد". عدد القناعات المهنية الخاطئة والخطيرة كبير جدا، وهي تتطور وتتبدل باستمرار. تحييها من وقت إلى آخر تقارير واهمة أو محادثات مبنية على الجهل أو أحداث تخرج وتفسر بطريقة خاطئة أو تعمم بشكل مبالغ فيه، ناهيك عن الترسبات المجتمعية المضمحلة التي لا تزال تجد من يقتات عليها. سأذكر أمثلة على مجموعة من هذه القناعات، أعتقد أنها تستوجب الحذر وتشكل مدخلا جيدا لفهم التصورات التي تؤثر بشكل سلبي في قراراتنا المهنية ونتائجها.
القناعة الخاطئة الأولى تنتج من سوء تطبيق ـــ وليس سوء فهم ـــ موضوع الأخذ بالأسباب. قد يملك معظم الناس الوعي الكافي للتفريق بين التوكل والتواكل، وربما استشهد كثيرون بحديث "اعقلها وتوكل". ولكن حين ننظر إلى التطبيق والنتائج الفعلية نجد أن هناك من يبرر كسله وخموله بإرادة رب العالمين وقلة حظه بالرزق الذي كتبه الله له، مع أن هذا الأمر منهي عنه نهيا صريحا والتحفيز للسعي ـــ الذي لا نطبقه بحذافيره ـــ معروف وواضح.
هل يضمر الناس الشر؟ إذ يكون الاستعداد لهم واجبا والحرص منهم حصافة والابتعاد عنهم هدفا؟ هذا من تعقيد الواقع وتجسيمه سلبيا بصنع تحديات خيالية غير موجودة أو موجودة بشكل هامشي يمكن تجاهله. فينتج عن هذا الاعتقاد سلوك متشكك متردد سرعان ما يظهر على الملأ وتبدأ ردات الفعل من الآخرين حوله، حتى يتحول الخيال إلى واقع ودوائر سلبية وتراكمات يصعب تفكيكها. تنمو عند صاحب هذه القناعة حواجز عديدة تعزله عن الناس وتبعده عن التطور فيملك علاقات هشة تفتقد الثقة والأريحية، ويبدأ تدريجيا في اكتساب مزيد من المؤيدين والأقران الذين يصطفون معه في الخانة نفسها فيزيدون وهمه وهما. في النهاية يخسر كل الأطراف وأولهم الطرف الذي أضاع وقته وجهده بسبب قناعة لا أساس لها.
القناعة الثالثة، أن الطيبة والمبادرة بالأخلاق الحسنة تصنع شخصية ضعيفة مستضعفة مهنيا لا تستطيع مواكبة الأحداث ومواجهة التحديات والتعامل مع الناس. وعلى النقيض من ذلك، هناك من يجزم أن الدهاء خبث وأن ثمن النجاح يكمن في التنازلات الأخلاقية وأن الحِدّة شرط من شروط الظهور والحصول على القبول من الآخرين. كلاهما مخطئ والمسألة تحتاج إلى التوازن فكم من قائد اتسم بالطيبة والحزم وكم من ناجح شجاع تصدى لكثير بلا قسوة ولا ظلم. في العادة نحن لا نتعامل مع الأمور بعشوائية بل نفكر في خياراتنا ونختار بكامل إرادتنا. التقوقع في أي جهة يقودنا إلى بناء سلوك منتظم من التشويه المستمر للقرارات التي نقوم بها. لهذا يجب أن نبحث عن التوازن منذ البداية، ونصنع العادات التي تحقق لنا ذلك، ونتمكن في الوقت نفسه من متابعة النتائج والتعديل السريع حسب الاحتياج.
القناعة الرابعة، أن هناك كثيرا من المحظوظين الذين حققوا النجاح المهني دون جهد يذكر. تنقل هذه القناعة صاحبها إلى قناعة فرعية أخرى مفادها أن النجاح الحقيقي ضربة حظ أكثر من كونه نتيجة واقعية للجهد والتخطيط، وهذا بدوره يعني أن التخطيط وبذلك الجهد قلما يصنع النتيجة المطلوبة. بعضهم يضرب أمثلة حقيقية لحالات تؤيد قناعاته. لم أر قناعة مثبطة للنجاح المهني مثل هذه القناعة، وهي بالطبع غير حقيقية وغير واقعية، ومن يعرف الناجحين الحقيقيين ويتعرف إلى أسلوب حياتهم اليومي سيجد الأدلة الموضوعية التي تنهي كل شك لديه. قراءة السير الذاتية أيسر الطرق للتأكد.
وأخيرا، يحترف بعضنا في صنع القناعات الخاطئة الجديدة. وعجزه عن البحث عن المعلومة من مصدرها الصحيح أو كسله وعدم رغبته في قراءة سير الآخرين أو حتى جرأته على إطلاق الأحكام يجعله يصنع سببا وهميا لكل نتيجة يشاهدها. فلان من الناس توظف في المكان الفلاني بالواسطة، وآخر ترقى لأنه مهادن، والمشروع رفض لأن هناك من يود تخريب سمعتنا وهكذا. مع الوقت تتحول الأسباب إلى قناعات يؤكدها جلساؤه الذين يشاركونه الهوى والاهتمام حتى تهوي به وتصيبه بالعجز المهني، فهو لن يجد من الأسباب الإيجابية ما يدفعه إلى العمل بشكل جيد وفعال.
هناك كثير من الوقائع الغريبة والأفكار البائدة التي لا تزال تعشش في عقول البعض. ومثل ما نجد هذه النقائض اجتماعيا وثقافيا، نجدها كذلك في المجتمع المهني تجر أصحابها إلى الخلف وتثبتهم في محطات مهنية يفترض أن تشكل المراحل الأولى من تطويرهم المهني. ومع الوقت تستمر حالة انتظارهم وتصبح الأصل، إذ لا يقدمون على سلوك الطريق أبدا ويعيشون في تلك المحطات المؤقتة إلى الأبد، حتى "التقاعد". عدد القناعات المهنية الخاطئة والخطيرة كبير جدا، وهي تتطور وتتبدل باستمرار. تحييها من وقت إلى آخر تقارير واهمة أو محادثات مبنية على الجهل أو أحداث تخرج وتفسر بطريقة خاطئة أو تعمم بشكل مبالغ فيه، ناهيك عن الترسبات المجتمعية المضمحلة التي لا تزال تجد من يقتات عليها. سأذكر أمثلة على مجموعة من هذه القناعات، أعتقد أنها تستوجب الحذر وتشكل مدخلا جيدا لفهم التصورات التي تؤثر بشكل سلبي في قراراتنا المهنية ونتائجها.
القناعة الخاطئة الأولى تنتج من سوء تطبيق ـــ وليس سوء فهم ـــ موضوع الأخذ بالأسباب. قد يملك معظم الناس الوعي الكافي للتفريق بين التوكل والتواكل، وربما استشهد كثيرون بحديث "اعقلها وتوكل". ولكن حين ننظر إلى التطبيق والنتائج الفعلية نجد أن هناك من يبرر كسله وخموله بإرادة رب العالمين وقلة حظه بالرزق الذي كتبه الله له، مع أن هذا الأمر منهي عنه نهيا صريحا والتحفيز للسعي ـــ الذي لا نطبقه بحذافيره ـــ معروف وواضح.
هل يضمر الناس الشر؟ إذ يكون الاستعداد لهم واجبا والحرص منهم حصافة والابتعاد عنهم هدفا؟ هذا من تعقيد الواقع وتجسيمه سلبيا بصنع تحديات خيالية غير موجودة أو موجودة بشكل هامشي يمكن تجاهله. فينتج عن هذا الاعتقاد سلوك متشكك متردد سرعان ما يظهر على الملأ وتبدأ ردات الفعل من الآخرين حوله، حتى يتحول الخيال إلى واقع ودوائر سلبية وتراكمات يصعب تفكيكها. تنمو عند صاحب هذه القناعة حواجز عديدة تعزله عن الناس وتبعده عن التطور فيملك علاقات هشة تفتقد الثقة والأريحية، ويبدأ تدريجيا في اكتساب مزيد من المؤيدين والأقران الذين يصطفون معه في الخانة نفسها فيزيدون وهمه وهما. في النهاية يخسر كل الأطراف وأولهم الطرف الذي أضاع وقته وجهده بسبب قناعة لا أساس لها.
القناعة الثالثة، أن الطيبة والمبادرة بالأخلاق الحسنة تصنع شخصية ضعيفة مستضعفة مهنيا لا تستطيع مواكبة الأحداث ومواجهة التحديات والتعامل مع الناس. وعلى النقيض من ذلك، هناك من يجزم أن الدهاء خبث وأن ثمن النجاح يكمن في التنازلات الأخلاقية وأن الحِدّة شرط من شروط الظهور والحصول على القبول من الآخرين. كلاهما مخطئ والمسألة تحتاج إلى التوازن فكم من قائد اتسم بالطيبة والحزم وكم من ناجح شجاع تصدى لكثير بلا قسوة ولا ظلم. في العادة نحن لا نتعامل مع الأمور بعشوائية بل نفكر في خياراتنا ونختار بكامل إرادتنا. التقوقع في أي جهة يقودنا إلى بناء سلوك منتظم من التشويه المستمر للقرارات التي نقوم بها. لهذا يجب أن نبحث عن التوازن منذ البداية، ونصنع العادات التي تحقق لنا ذلك، ونتمكن في الوقت نفسه من متابعة النتائج والتعديل السريع حسب الاحتياج.
القناعة الرابعة، أن هناك كثيرا من المحظوظين الذين حققوا النجاح المهني دون جهد يذكر. تنقل هذه القناعة صاحبها إلى قناعة فرعية أخرى مفادها أن النجاح الحقيقي ضربة حظ أكثر من كونه نتيجة واقعية للجهد والتخطيط، وهذا بدوره يعني أن التخطيط وبذلك الجهد قلما يصنع النتيجة المطلوبة. بعضهم يضرب أمثلة حقيقية لحالات تؤيد قناعاته. لم أر قناعة مثبطة للنجاح المهني مثل هذه القناعة، وهي بالطبع غير حقيقية وغير واقعية، ومن يعرف الناجحين الحقيقيين ويتعرف إلى أسلوب حياتهم اليومي سيجد الأدلة الموضوعية التي تنهي كل شك لديه. قراءة السير الذاتية أيسر الطرق للتأكد.
وأخيرا، يحترف بعضنا في صنع القناعات الخاطئة الجديدة. وعجزه عن البحث عن المعلومة من مصدرها الصحيح أو كسله وعدم رغبته في قراءة سير الآخرين أو حتى جرأته على إطلاق الأحكام يجعله يصنع سببا وهميا لكل نتيجة يشاهدها. فلان من الناس توظف في المكان الفلاني بالواسطة، وآخر ترقى لأنه مهادن، والمشروع رفض لأن هناك من يود تخريب سمعتنا وهكذا. مع الوقت تتحول الأسباب إلى قناعات يؤكدها جلساؤه الذين يشاركونه الهوى والاهتمام حتى تهوي به وتصيبه بالعجز المهني، فهو لن يجد من الأسباب الإيجابية ما يدفعه إلى العمل بشكل جيد وفعال.