خلافة الإنسان في الأرض قضية معروفة منسية!
على الأهمية البالغة لهذه القضية إلا أني أرى أن القليل جدا من يعيرونها اهتماما, بينما الباقي يعدها عبارة وردت من الله في قصة الخلق في الأزمان السحيقة {إني جاعل في الأرض خليفة}, لكن أغلبنا - على أرض الواقع - لا يعيرها اهتماما عمليا! فما معنى الخلافة؟ الخلافة هي أمانة تواجدك في هذا الكون مع كونك حرًا ومختارا, عبدا لله, سيدًا للكون, كي تعيدها أفضل مما وجدتها عليه, أفضل معنويا وماديا, تعيد قاطنيها أقرب إلى الله وتصلح ما فسد فيها, وتعيدها جنةً جميلة وليست أرضا خرابا! {وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّـهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ } [هود: ٦١] وهي قضية ليست خاصة بالجنس البشري كله فحسب, بل هي خاصة بك أنت شخصيا. لقد وُلِدت أنت في أرض ما في زمن ما , ينبغي عليك إذًا أن تعمر هذه الأرض إيمانيا وجماليا وماديا, فتتركها - عند وفاتك - أفضل مما وجدتها عند ميلادك! وبالطبع لن يحاسبك الله تعالى إلى على استطاعتك (دائرة تأثيرك) وليس كل الكون. بعض ما يدل على أن الأغلب لا يعبأ بقضية خلافته في الكون 1- سؤال الكثيرين. هل نحن مسيرون أم مخيرون!؟ سؤال يشي بأنهم لا يعلمون أنهم خلفاء أحرار مستأمنون على عمارة الأرض معنويا وماديا 2- الغفلة الرهيبة التي يسبح في غمار بحارها أغلب المسلمين, فهم يعيشون حرصا ألا يموتوا, وكي يموتوا في النهاية مثلهم مثل الجماهير الغفيرة, جاءت إلى الأرض لا تعلم لماذا وفعلت كل مباح وحرام حتى تحصل على الرزق وحده, دون أي قضية أو هم أو وظيفة سامية, ثم رحلوا عن الأرض فتركوها أكثر خرابا مما أتوا إليها 3- عدم الإتقان, جل المسلمين مصابون بهذا الداء العضال! فإنهم لا يكادون يهمون بمهمة ما إلا ظهر عدم إتقانهم فيها!, وذلك ضد مفهوم الخلامة وتعمير الأرض والعبادة والإحسان , أي أنه ضد كل مفهوم جوهري في الإسلام, وثمرة هذا كان أسوأ من ثمار الزقوم, فالغرب يتقن لأنه لو لم يتقن يعلم أنه لن ينجح في الأرض - التي هي في نظره مثواه الأول والأخير - والمسلمون غافلون لاهثون وراء عيشهم لكن مع افتقاد الإتقان لأنهم فهموا مفهوم الرزق بخطئ فاحش وأخذوا يرددون في بلاهة - أن رزقك الذي كتبه الله لك سيجري خلفك حتى لو لم تسع إليه - ونسوا أو تناسوا أن الله يرزقك بعملك ولا يرزقك بدونه بل يحرمك الرزق عقابا لك على تقصيرك فيه, فراحوا يهملون في أعمالهم بهذه العقلية التي تخاصم الإسلام, فضلا أنهم فهموا الزهد خطأ فراحوا يتركون الدنيا طمعا في الآخرة! ونسوا ان الآخرة هي سماء لا يُصعَد إليها إلا على السلم الذي تبنيه بنفسك, وهو سلم إعمار الدنيا في سبيل الله ! 4- أن الدعاء - دون العمل - هو للأسف طريق النجاح والرزق والجنة وكل شيء ! فأصبح كل شيء وسيلته الأولى والأخيرة الدعاء السلبي فحسب, ونسي جل المسلمين أو تناسوا أن الدعاء دون العمل - مع القدرة عليه - هو سبيل كل خيبة وسبيل غضب الرحمن, فهو استخفاف بالنواميس التي وضعها الله. هو منطق طفل صغير لا يفهم عن مفهوم الخلافة شيئا وهو عالة في الأرض, يتوهم أنه ما من خير يتحصل عليه إلا بالدعاء السلبي! فأين هذا بالله من مفاهيم الحرية والمسئولية والاستخلاف والاستعمار في الأرض وحمل الأمانة فضلا عن تأدية حق الله في احترام نواميسه التي خلقها كي نعمل بها فيجازينا الله أثر العمل بها بالرزق الحلال؟ فأين هذا بالله من الإسلام بأسره؟! هو دين مواز, لا علاقة له بالإسلام إلا الأسماء ! 5- المفهوم الشائع بين المسلمين أننا موجودون في الأرض كعقوبة موروثة عن أبينا آدم الذي هبط الأرض كعقوبة من أكله الشجرة أ- هذا مفهوم يضطرب مع مفهوم الخلافة إ أن الله تعالى قال {إني جاعل في الأرض خليفة} كقرار مستقل عن قصة الأكل من الشجرة ب- هذا مفهوم فيه توريث للخطيئة وهو ضد عقيدتنا {لا تزر وازرة وزر أخرى} ج- هذا مفهوم يضطرب مع أن الله ألهم آدم التوبة وتاب عليه ثم أمره بالهبوط ليؤدي وظيفة خلافته في الأرض وليس للعقوبة كما هو شائع {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴿٣٧﴾ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } [البقرة 37-38] الخلاصة: لنكن قدر الحرية والمسئولية والتكريم الذي نحن فيها, ولنصلح في الأرض - فضلا ألا نفسد فيها - لأننا خلفاء فيها استخلفنا الله فيها واستعمرنا إياها, وإلا فقد خنَّا الأمانة, وفقدنا جوهر الإسلام!
أحمد كمال قاسم
أحمد كمال قاسم