تونس.. في أحرج الأوقات.. وما ستفضي عنه الصراعات السياسية القائمة وأبرزها بشأن شكل الحكومة المقبلة والدستور الجديد سوف يُرافقان البلاد لعشرات السنين.
بين مطالبات حزب النهضة تشكيل حكومة وحدة وطنية تُخرج البلاد من الأزمة القائمة ـ بنظرهم ـ وبين التجارب السابقة لهذا النوع من الحكومات والتي أظهر التاريخ أن نتائجها الإيجابية آنية.. يبقى الإجماع لدى الخبراء والقانونيين والدستوريين على أهمية وضرورة التجانس داخل مجلس الوزراء لتسيير شؤون الدولة والمواطن, ويعتبرون أن أي شكل من أشكال التراضي الذي يرادف حكومة الوحدة الوطنية يهدئ الاحتقان مرحليا, فيما يتحول مأساة مستقبلية إذ يقوم برمي المعضلة باتجاه المستقبل فيرسّخها الوقت عرفا, يصعب الالتفاف عليه لاحقا, للسير بالبلاد إلى بر "الدولة" الآمن .
فدستوريا.. تُعرّف الحكومة بأنها السلطة التنفيذية التي تقوم على تطبيق القوانين المُشرّعة في مجلس النواب, وعلى محاسبة كل من لا يمتثل لهذه القوانين.
كما تقوم الحكومة في الأنظمة الديمقراطية على إحقاق العدل والمساواة بين رعايا البلاد على الصعد كافة.
أما المتحرّك في شأن الحكومة, فهو سياستها, التي تتغير بحسب كل مرحلة وبحسب توجهات الوزراء ورئيسهم مستقلين كانوا أم حزبيين, في وقت يبقى هناك قانوني المحاسبة والمساءلة الضمانة الأهم للمواطن والأحزاب والمذاهب وغيرها.
وعليه يجمع خبراء القانون الدستوري على أن التجانس الحكومي ضروري وغير اختياري خلال فترة الحكم لأن التراضي والتنوع - حزبيا كان أم مذهبيا – سياسيٌ, إنما يضع العصا في عجلة الاقتصاد والاجتماع والسياسة داخل الدولة المرجوة.
ها هي تونس اليوم, تختلف على شكل الحكومة وسط انقسام بين حكومة تكنوقراط وحكومة وحدة وطنية. ويرى خبراء أن حكومة الوحدة الوطنية التي تتشكل في البلدان التي جرت فيها حرب أهلية أو أزمات سياسية، تقوم على اتفاق بين القوى السياسية مثال: حكومة محمد باسندوة في اليمن – تُنقذ البلاد آنيا من انفجار, لكنها تُطيل من أمد الأزمة.. ولبنان خير مثال على ذلك.
وعليه يبدو أن الأزمة التونسية متسمرة خصوصا, مع تجديد رفض راشد الغنوشي رئيس حزب النهضة الحاكم في تونس طلب المعارضة التونسية تشكيل حكومة غير حزبية، قائلا إن ذلك لن يساعد البلاد في الموقف الحساس الذي تعيشه. كما وجدد التأكيد على أنه يقبل بتشكيل حكومة وحدة وطنية بشرط أن تُمثل فيها كل الأحزاب - ومن هنا, فإن ذلك بعيد كل البعد عن التجانس الضروري داخل هذه المؤسسة الدستورية, لتقوم بواجبها وتكون فعّالة وتبسط سيطرتها التي لا تُفرق بين مواطن وغيره لأي من الأسباب الآنفة الذكر, حزبية كانت أم طائفية أم مذهبية أم أيديولوجية أو غيرها .
فعسى أن تكون قراءة التاريخ ومراقبة السيناريوهات الحية كفيلة بالتونسيين للسير قدما في بناء دولة مدنية تبدأ بتمسكهم ـ ومهما كلف ذلك ـ بتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة منبثقة عن الأكثرية النيابية حتى لو لم يكونوا ممثلين فيها اليوم.. فالأكثرية تتغير إذا قرر الشعب المحاسبة في الانتخابات المقبلة، وإذ وضع ثقته بنواب يسائلون فعلا الحكومة الحالية.
أخيرا وليس آخرا...
بين الانقسامات السياسية القائمة بين النهضة ومعارضيها الذي يتهمون حزب النهضة الحاكم بالمسؤولية عن تنامي التيار السلفي في تونس، وبين الانقسامات الصريحة حول الدولة المستقبلية وشكل الحكم فيها يبقى الانتظار لمعرفة ما ستنجم عنه المساعي التفاوضية المستمرة، وأي مستقبل سوف يُكتب لتونس الديمقراطية.
"منقول من صحيفة العربية-نت"