لم أقتنع يوما بتعليمات قص الشعر التي تحاول لجنة الحكام تطبيقها على اللاعبين في كرة القدم السعودية، وفي كل مرة كنت أعتبر ذلك تدخلا في حياة الفرد الخاصة وما يحب ويكره، وتوجيها لميوله الحياتية المختلفة بلا سبب وجيه.
.. يستند مشرعو قانون محاربة القزع في الكرة السعودية إلى أحكام فقهية يختلف فيها الفقهاء أنفسهم، فيصنفها بعضهم مكروها، يرتقي لدى البعض الآخر إلى رتبة محرم، ولست هنا بالأقدر على الخوض في تفصيلاتها. إذا أعملنا الرأي الثاني، واتفقنا على أن المنظور الشرعي هو ضابط هذه التشريعات فالمؤكد أنها لا تختص بلاعبي كرة القدم فقط، ويجب تطبيقها على كل أفراد المجتمع وإن لم تكن كذلك، فمن الأولى تفهم نجوم الكرة بالذات، وهم الشباب المتحمسون المحاطون بالأضواء والأموال والشهرة.
.. ولأننا في أغلبية أمورنا الحياتية، لا نفرق بين الحكم الشرعي القاطع بالنص الصريح، والموروث الفقهي المتداول، أصبحت محاولة الاعتراض على مواضيع صغيرة مثل قزع الشعر على رؤوس اللاعبين كالاقتراب من حقل ألغام قد ينسف فيه متشدد متحمس كل شيء ويطالب بفصل من سولت له نفسه فتح هذا الحوار، عن المجتمع، ووصمه بما يلتصق به زمنا طويلا. هذا السياج الكهربائي الذي أوجده المتشددون رياضيا ودينيا واجتماعيا حول تلك القضايا، صور لبعض المتعصبين في الوسط الرياضي، الدين والأحكام الفقهية، حصانا يركبه في معاركه الرياضية، والعنوان الظاهر للمعركة الذود عن حصون الدين والمجتمع وثقافاته.
.. عبر قضايا القزع التافهة امتدت أيادي المتشددين – دينيا ورياضيا - إلى ملاعب كرة القدم، وتلتها حملات مضحكة على الوشوم التي يرسمها اللاعبون الأجانب على أجسادهم أو السلاسل التي تتدلى من رقابهم. ولا أعرف كيف يطلب أحد ما، من رجل ولد وعاش وترعرع في "بروكسل" البلجيكة مثلا، أن يلتزم بالثقافة المحلية السعودية بمجرد أن تطأ قدمه أرض أهلها، والثقافة المحلية شيء مختلف تماما عن القانون والأنظمة العامة.
في الفترة الأخيرة تطور الأمر إلى البحث في ديانات اللاعبين والمدربين القادمين إلينا وديانات عائلاتهم وأجدادهم، بشكل عبثي مضحك، قد لا يلام عليه مراهق يكتب في تويتر، قدر اللوم الموجه إلى مسؤول يستجيب لكل ما يكتب، وكأنه لا يعرف حدود المسموح والممنوع وفق أنظمة البلاد الخاصة.
.. منذ أن بدأ مجتمعنا الرياضي في التعاطي مع وسائل الإعلام الجديدة، تفجرت قضايا تافهة محركها الرئيس تغريدة متشددة، ظاهرها الرحمة وباطنها التعصب الديني والرياضي، ولا يمكن لمثل هذه الممارسات أن تختفي ما لم يضطلع أصحاب الرأي والمسؤولية في المجتمع بمسؤولياتهم بوضوح، ويردوا على مثل هذه الممارسات دون الخوف من أي تابوهات أوجدها الوهم وحده، ويتكسب منها المتكسبون. الأحرف أعلاه ليست دعوة لفصل الدين عن الرياضة، على غرار فصل الدين عن السياسة، بل هي دعوة للتسامح ووضع الأمور في أطرها المحددة بوضوح.
*نقلاُ عن الإقتصادية السعودية