أتذكر أن صحيفة سعودية أجرت تحقيقا عن الجماهير في مباراة ما، ونشرت صورا لبعض المصادرات منهم عند البوابات وكانت أغلبها سكاكين جيب صغيرة وآلات حادة، وكتبت “مانشيتا” صحافيا استغربت فيه حمل المشجعين لهذه الأدوات في مباراة كرة قدم. للصحيفة الحق في استغرابها، ولكنها لم تغص في نفسية وثقافة هذا المشجع الغض لتعرف السبب الحقيقي، وهو أن وجود هذه الأدوات في جيب مشجع مراهق هو جزء من ثقافته الشخصية الخاصة، إذ يحمل أغلب المراهقين هذه السكاكين الصغيرة في جيوبهم كنوع من ممارسة الرجولة في زعمهم، سرعان ما يتخلصون منها بعد تجاوزهم مرحلة المراهقة وتنامي الوعي.
تفهم هذه الممارسات الصادرة عن المشجعين المراهقين من رجل القانون وأمن الملاعب والصحافة والإعلام، لا يعني إطلاقا السماح لهم بالدخول بها، ولكنه تفهم يدعونا إلى توعيتهم واحتوائهم، لا جلدهم بشكل مقزز يجرح كرامتهم أمام الآخرين.
أغلبية من رأوا مشهد المشجع الهلالي وهو يتلقى ضربات من رجل أمن في مباراة الأزرق أمام السد، تأذوا نفسيا دون أن يبحث في الأسباب والمسببات التي دعت الطرفين إلى تصدير هذا المشهد للجميع.
..ولا يمكن أن يجد المتابع سببا منطقيا يقبل به ويعذر به كل الأطراف المشاركة في الحادثة، وإن قلنا إن المشجع أخطأ بأي تصرف فإن جلده بالعصا أمام الناس وإهانته بهذا المنظر المقزز غير مبررين إطلاقا. إن أخطأ يمكن التحفظ عليه وتحويله وفق إجراءات قانونية ليلقى العقاب المناسب مع حفظ كرامته.
في الجهة الأخرى، لا يمكن أيضا تعميم خطأ رجل الأمن على بقية زملائه ويفترض وضعه في إطار تصرف فردي خاطئ وليس سلوكا عاما لرجال أمن الملاعب الذين نجحوا كثيرا في تخريج مناسبات رياضية عديدة بأبهى الصور. ولكن.. وأمرنا دائما ما يأتي بعد لكن.
تكرار هذه المشاهد يعطي انطباعا بنقص الوعي عند الجانبين، وافتقاد المشهد الرياضي الأمني لقانون رادع، يمنع أي مشجع متهور من ممارسة عنتريات أو تجاوزات، وتوجد لرجل الأمن خطوات قانونية واضحة ينفذها بدقة أمام أي تجاوزات دون أن يجتهد فيخطئ، وتصبح معالجة الخطأ بخطأ أكبر يلقي باللوم عليه، ويختلط فيه الحابل بالنابل.
أعتقد أن اتحاد الكرة بحاجة إلى تفعيل قانون صريح للجماهير المنفلتة وهم قلة، قانون توضع فيه قوائم سوداء للمشجعين المتهورين المتجاوزين، تمنعهم من الدخول إلى الملاعب خلاف معاقبتهم وفق لائحة قانونية واضحة وإعلان الأسماء والعقوبة في الصحافة والإعلام كجزء من الردع.
أزعم أن ملاعب الكرة ومنافساتها بحاجة إلى نوعية مختلفة واختصاصية في إدارة الأحداث الرياضية، يتفهم فيها القائمون بهذه الأدوار عقلية المشجع وحماسته، ويعون تماما أنهم أمام مراهق غض ممتلئ بالعاطفة والحماسة الجياشتين اللتين قد تدفعاه إلى تصرفات خارجة عن الحدود المسموح بها في غياب القانون الواضح.
*نقلا عن الاقتصادية السعودية