أفي الله شكٌ أيها الملحد؟ إن كنت في شك فطالع الكتاب المسطور والكتاب المنشور "القرآن" والكون؛ لترى أحرف القدرة وأثر الوحدانية وبديع صنع الباري جل اسمه.
طالع في نفسك أيها المعرض الأحمق المغرور، مَنْ الذي سواك وركَّبك وأبدع صورتك وجمّلك وأنطقك وأطعمك وسقاك وكفاك وآواك وأجلسك وأقامك وأنامك وأيقظك وأحياك وأماتك وخلقك ورزقك وشقّ سمعك وبصرك وأعطاك العينين والأذنين والشفتين واليدين والقدمين وهداك النجدين..؟ إنه الله وحده.
أيها الملحد، هل هذا الكون البديع الصنع والمتقن الخلق المنظّم الحركة وُجد مصادفة؟ هل الشمس وهي تجري لمستقر لها بحساب وأجل وسير منتظم وارتفاع مرتّب وُجدت مصادفة؟ هل القمر وهو ينزل في أبراجه ويقطع سيره بانتظام ويبدأ صغيراً ثم يكتمل ثم يضمحل ويذهب ضوؤه ثم يعود ويملأ الكون بحسنه هل هو مصادفة؟ هل هذا النظام العجيب والحسن البديع في الكون بنجومه وكواكبه وجباله ووِهاده وسفوحه ومحيطاته وبحاره وأنهاره وأشجاره وحدائقه وبساتينه حصل هكذا مصادفة؟ هكذا رمية من غير رامٍ؟ هكذا فجأة وقع؟ هكذا بغتة خُلق؟ فمَنْ خلقه؟ مَنْ أبدعه؟ مَنْ سوّاه؟ مَنْ جمَّله؟ مَنْ أتقنه؟ مَنْ نظَّمه؟ أهم البشر؟ فهم مخلقون، والكون وُجد قبلهم، أهو الكون خلق نفسه وأوجد ذاته؟ فكيف يخلق المخلوق ذاته ويبني الكائن كيانه؟ إن هناك إلهاً واحداً وخالقاً قديراً وربّاً صمداً هو الذي خلق وأوجد وأبدع وأتقن (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ).
أيها الملحد، افتح عينيك وأعمل عقلك وأزل الحجب عن بصيرتك وانزع الأقنعة عن نظرك وأزل ركام التكذيب واخلع رداء الدجل والزور عن قلبك وانظر بتجرد واطلب الدليل وطالع في البرهان واسمع الحجة وتفكر وتدبّر واعتبر في كتابين "الكتاب المشروح، والكتاب المفتوح"، فالكتاب المشروح هذا القرآن الذي بين يديك، هل يؤلّفه أميّ لم يقرأ ولم يكتب ولم يدرس على أستاذ ولا شيخ وما دَخَل مدرسةً ولا جامعة وما شاهد سبّورة ولا "طبشورة" وما رأى كراسة ولا ماسة؟.. هل يستطيع فيلسوف أو فقيه أو شاعر أو خطيب أن يؤلف هذا القرآن وأن ينطق به من عند نفسه؟ هذا القرآن بإعجازه وإيجازه يؤلّفه بشر؟!
هذا القرآن العجيب المؤثر المفحم يقوله مخلوق؟! هذا القرآن بما فيه من عِلْم غيب ونبأ سابق وخبر مستقبل يمليه إنسان من ذاته؟! هذا القرآن الذي أفحم العرب العرباء، وأذهل العلماء، وأدهش الحكماء، وأسكت الشعراء، وأخرس البلغاء، يؤلّفه مؤلّف ويجمعه كاتب ويصنّفه مصنّف؟! إنه تنـزيل من حكيم حميد، على رغم أنف كل ملحد عنيد، وكل مكذب رعديد، وكل كافر بليد.
وانظر في الكتاب المفتوح، وهو هذه الآفاق التي أمامك في المشارق والمغارب؛ لترى قدرة الله في الشمس الساطعة، في النجوم اللامعة، في القمر المنير، في الجدول والغدير، في الجبال الشاهقة، في الكواكب المتناسقة، في السماء، في الماء، في الضياء، في الظلماء، في الورقة واليرقة والثمرة، في الطل والظل والمطر والبرق، والرعد، في كل حركة وسكون ونوم ويقظة وليل ونهار وحرّ وبرد وصباحٍ ومساء وصيف وشتاء.. لتعلم أن للكون خالقاً مدبِّراً وحكيماً مصرِّفاً جلّ في علاه.
أيها الملحد، تجرَّد من هواك، وتخلّص من شيطانك، وتطهّر من نجاستك، واغتسل من أدناسك، وتبرأ من رجسك، ثم أعمل عقلك، وأدر فكرك في هذه العوالم، عوالم الإنسان والحيوان والنبات والجماد، وفي داخل كل عالم من هذه عوالم من الإعجاز والعجائب والغرائب التي تدلّ على حُسن صنع اللطيف الخبير وعلى إتقان خلق العليم القدير، سوف تجد كل شيء يقدِّم لك آية على عظمة الله، ويعرض لك حجة على قدرة الله، ويوضح لك دليلاً على بديع صنع الله، ويشرح لك برهاناً على وحدانية الله (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ).