حينما أنهى دراسته الثانوية وجد نفسه في مفترق طرق، بين اختيار مهنة أو علم، يحب الطب ويشعر بأنه سيكون طبيبا ناجحا نسبة إلى صفات في شخصيته أهمهما الدقة والالتزام والحرص على التفاصيل. الطريق الآخر فرضته مهارات مكتسبة وهوى شخصي، إضافة إلى احتياجات حياتية أخرى أهمها رغبته في بناء نفسه ماديا ليقف بموازاة أقرانه من أبناء الأسرة الحاكمة.
حبه للأرقام والحسابات الرياضية والمعادلات، دفع به إلى كلية الهندسة في جامعة الملك سعود، تخرج منها بدرجة البكالوريس مع مرتبة الشرف الأولى وأكمل الماجستير في التخصص نفسه، ليشغل مقعد معيد في الجامعة نفسها.
عبد الله، سليل العائلة المالكة الأشهر في العالم، امتزج في جسده دمان في اللحظة المناسبة، بزواج مساعد بن عبد العزيز الابن الحادي عشر للمؤسس التاريخي للبلاد وفاطمة ابنة هاشم بيك النجرس أحد شيوخ قبائل الثلث السورية، وحفيدة تركي بيك أحد قادة الجيوش العثمانية، فكان الفتى الأول نتاج هذه الشراكة.
في صباه، تنازعه تيارا الشراكة القدرية، الأول ديني محافظ مثله والده الراحل، فدرس علوم القرآن والفقه، وآخر منفتح على الثقافات الأخرى خلق في الفتى شغفا بقراءة النتاجات الأدبية المحضة التي كانت تشجعه وتمده بها والدته، فقرأ في سن مبكرة كل ما كتبه العقاد وطه حسين ونجيب محفوظ والمنفلوطي، إضافة إلى كثير من التراجم والكتب المترجمة.
.. كل ما فعله عبد الله في تلك الأيام كان طاعة لوالديه أكثر منه رغبة شخصية ومحبة وميولا، فالأرقام ما زالت تسكن عقله وتستوطنه، وهي هواه الحقيقي المؤجل حتى حين، وتفجر في اللحظة المناسبة إبان دراسته الجامعية التي خلع فيها أصدقاؤه عليه لقب "الأمير الدافور"، بكل جدارة نسبة إلى جده واجتهاده المتوجين بمرتبة الشرف الأولى، وعلى النقيض من غالبية أبناء الأسر المرفهة.
لم يستمر الأمير الدافور كثيرا في أتون الجامعة، فسرعان ما استقال من التدريس، ليلتفت إلى بناء مجد شخصي، ويؤسس شركته الخاصة بمكتب صغير ضم ثلاثة زملاء من رفقاء الدراسة، وتصبح اليوم واحدة من أكبر شركات العالم في تدوير الورق. منعطف واحد غير حياة عبد الله، وهو تعرفه على شاب نحيل مراهق اسمه محمد السمحان، لم يكن له هم في الدنيا سوى حب كرة القدم وكبيرها الأزرق المسمى بالهلال فوقع "الدافور" في العشق مع صاحبه، وهناك كانت قصة أخرى لم يخطط لها مساعد ولا فاطمة ولم يؤثرا فيها بشيء.
أصبح حب عبد الله للرياضة يكبر.. ويكبر.. فقاده إلى متابعة المسابقات المحلية في أمريكا وأوروبا، وفي كل مرة كان يسأل نفسه: لماذا لا تكون رياضتنا مثلهم؟
في عمله التجاري يقول مجايلو عبد الله إنه شغوف بالتحدي، ولذلك يحب أن يتسلم ملفات متعثرة يعبر بها إلى النجاح، وفعل هذا أكثر من مرة، وفي كل مرة كان يسميها "الملفات المريضة"، وربما ينطلق هذا من ركن منسي في شخصيته كان يمكن أن يقوده يوما إلى أن يكون طبيبا ناجحا.. لولا أن الأرقام انتصرت.
قلت لعبد الله بن مساعد: من القائد؟ فأجاب: هو الذي يستطيع اختيار فريقه بدقة وفقا للمهام المطلوبة منهم، ويستطيع الإلمام بكل مهارات فريقه وتوظيفها بإتقان. قلت له: ولكنك حتما لا تعرف كل شيء؟ أجاب بحماسة: ما لا أعرفه سأتعلمه، وما لا أستطيع تعلمه سأحضر من يعرفه ليقوم به. سألته: لماذا رأست الهلال ولم تتجه للهرم مباشرة؟ فأجاب: كان لدي أفكار نظرية تفتقد للخبرة الميدانية ولم يكن لدي طريق لاكتسابها سوى رئاسة الأزرق ففعلت. قلت له: ما فلسفتك في النجاح؟ فقال: لو رسمت أهدافا طموحة وصعبة وفشلت، أحب إلي من رسم أهداف سهلة تنجح.
أمام عبد الله بن مساعد وزير الشباب والرياضة السعودي الجديد تحديات شائكة، أولها تقديم المؤسسة الرياضية للمجتمع والحكومة بشكل مختلف، وثانيها نقل الأندية الرياضية من مرحلة المتطوعين إلى المؤسساتية والاحترافية الإدارية، وثالثها رسم استراتيجية واضحة لقطاع الشباب في البلاد وتنفيذها.
حينما اختار عبد الله بن مساعد الهندسة على الطب، انتصر لعشقه للأرقام والحسابات، رغم أنه كان من الممكن أن يكون طبيبا جراحا ناجحا كما يقول، ولم يعلم أنه سيتحول إلى جراح للمؤسسات بدلا من الأجساد، وهو اليوم أمام التحدي الأكبر في حياته، وعليه أن يستخدم كل مشارط العمل التي مر بها في خبراته الميدانية.
*نقلا عن الاقتصادية السعودية